وقد تضمنت الآية تحقيقًا لنزوله من عند الله وتأكيدًا لذلك وتفخيمًا لشأْنه، فالآية واضحة الإِشارة إِلى أَن هذا القرآن مشتمل على حكم عظيمة، وعلم غزير، لا يمكن أَن يصدرا عن البشر، وإِنما يصدراَن عن إله حكيم عليم، ولذلك صُدِّرَتْ بإِنَّ واللام في قوله: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ} وهما للتأْكيد، وجمع بين الحكمة والعلم؛ لأَن فيه ما هو من قبيل الحكمة كالعقائد الصحيحة والأحكام الشرعية الصالحة لكل زمان ومكان، وما هو من قبيل العلم المطلق مثل القصص والأَخبار الغيبية.
والواقع أَن العلم يعم الحكمة وسواها، ولكنه جمع بينهما للإيذان باشتمال القرآن عليهما جميعا على أكمل وجه.
ومعنى الآية: وإنك - أَيها الرسول - ليلقى إليك القرآن من عند حكيم عظيم الحكمة وإِصابة الحق، عليم واسع الإِحاطة بالأُمور ما وجد منها وما سوف يوجد، لأَنه فوق مستوى قدرة البشر: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (?).
7 - {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}:
كان موسى عليه السلام - قد خرج من مصر حين علم أَن الملأ من قومها يأتمرون به ليقتلوه قصاصًا منه لقتله القبطي الذي اعتدى على رجل من بني إِسرائيل، فخرج إِلى سيناء وانتهى في رحلته إلى مدين، حيث عمل أَجيرًا عند شعيب في مقابل تزويجه إِحدى ابنتيه، فلما قضى المدة المتفق عليها، حنَّ للرجوع إِلى مصر ومعه أهله، فسار بأَهله فأَدركها المخاض عند الطور، فوضعت في ليلة شاتية باردة، وكان قد حاد عن الطريق لأمر شاءَه الله - تعالى - وقد أصبح بحاجة إِلى أمرين: أحدهما: أَن يوقد نارًا ليستدفئ بها أَهله، وثانيهما: أَن يهتدى إِلى الطريق الموصل إِلى مصر بعد أَن حاد عنه، وقد أدركته عناية الله وهو في حيرته هذه، حيث أظهر له نارًا على بعد قليل من الطور كما قال - تعالى - في سورة القصص: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} (?).