فيمزقون الأَعراض، وينشرون المثالب، ويقدحون في الأنساب، ويفرطون في الثناء والهجاء ابتغاءَ عرض زائل، ومنزلة حائلة، ومع كل واحد غواة قومه - وهم السفهاء - يجارونهم ويسلكون مسلكهم، وعن ابن أَبي طلحة: هم ضلال الجن والإنس، وشعر هؤلاء - كما يقول القرطبي في تفسيره -: ضلال وباطل لا يبيحه خلق ولا دين فلا يحل سماعه ولا إنشاده في مسجد وغيره كمنثور الكلام القبيح ونحوه.

أَما شعر غيرهم من أَهل الرشاد والنُّهى المهتدين إلى طريق الحق المنافحين عن دين الله فلا بأْس به قولًا أَو سماعًا، فمثل شعرهم كان يقبل على سماعه الرسول والتابعون، ولا ينكر الشعر الحسن في مبناه ومعناه أَحد من أَهل العلم، وكثير منهم قاله وتمثل به، أَو سمعه فأَنصت إِليه وأَثنى عليه، حيث كان حكمة وعظة، ولم يكن هجرًا ولا أَذى لمسلم. روى عن أَبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صل الله علبه وسلم - على المنبر يقول: "أَصدق كلمة قالتها العرب قول لبيد: أَلا كل شيءٍ ما خلا الله باطل، أَخرجه مسلم، وزاد: "وكاد أُمية بن أبي الصلت أن يُسْلم" (?) ذكر ذلك القرطبي. وقال - صلى الله عليه وسلم - في الشعر الذي يرد به حسان على المشركين: "إِنه لأَسرع فيهم من رشق النبل" أخرجه مسلم.

وما أَحسن قول الماوردى: الشعر كلام العربى، مستحب، ومباح، ومحظور، فالمستحب: ما حذر من الدنيا ورغب في الآخرة، وحث على مكارم الأَخلاق، والمباح: ما سلم من فحش وكذب، والمحظور: ما كان كذبًا وفحشًا، وجعل الرويانى منه ما فيه الهجو لمسلم سواءٌ كان بصدق أَو كذب.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ}: الاستفهام للتقرير، والخطاب لكل من تتأَنى منه الرؤية للِإيذان بأَن حالهم من الظهور والوضوح بحيث: لا يختص برؤيته راءٍ، أَي: أَلم تر أَن الشعراءَ يهيمون على وجوههم في كل واد من أَودية الغي والضلال، وفي كل مسلك من مسالك الزور والبهتان وفي كل شعْب من شعاب الوهم والخيال، لا يهتدون إلى الحق الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015