أَن الكلمة يخطفها الجنى فيقرها في أُذن وليه، فيزيد فيها أَكثر من مائة كذبة، ولا كذلك محمَّد - صلى الله عليه وسلم - فقد أخبر عن مغيبات كثيرة وصدق في جميعها، والمراد من أَكثرهم في قوله تعالى: {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}: جميعهم، أَو غالبهم، وهذا كاف في عدم الاطمئنان إلى أَقاويلهم.
وقيل: المراد من قوله تعالى: {يُلْقُونَ السَّمْعَ}: هم الشياطين، وكانوا قبل أَن يحجبوا بالرجم يتسمعون إلى الملإ الأعلى، فيخطفون بعض ما يتكلمون به ممَّا اطلع عليه الملائكة من الغيوب، ثم يوحون به إِلى أَوليائهم بن الإنس ويزيدون على ما يسمعون أَكثر من مائة كذبة فيصدقهم الناس في كل ما يقولون.
روى البخاري من حديث الزهرى قال: أَخبرنا يحيى بن عروة بن الزبير يقول: قالت عائشة - رضي الله عنها -: سأَل الناس النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الكُهَّان؟ فقال: "إنهم ليسوا بشيءٍ" فقالوا: يا رسول الله إِنهم يحدثون بالشيء يكون حقًّا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنى فيُقَرْقرُها (أَي: يرددها) كقرقرة الدَّجاجة، فيخلطون معها أَكثر من مائة كذبة. وأكثرهم كاذبون فيما يوحون به إِليهم؛ لأنهم يُسْمعُونهم ما لم يسمعوا من الملائكة لشرارتهم، أَو لقصور فهمهم، أَو لأَنهم لا يسمعون حقًّا وإِنما هو كذب واختلاق".