السحر على عقله حتى اضطرب، وهو مناف للرسالة، وبين البشرية التي يرونها منافية لها كذلك، للإيذان بأَن اجتماعهما ينافى الرسالة أشد المنافاة. {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} أي: وإن شأْنك يجعلنا نظنك من الكاذبين فيما تدعيه، ومرادهم أنه - عليه السلام -، وحاشاه - من الراسخين في الكذب المعتادين له، فلا يصدقونه في دعوى الرسالة، أو فيها وفي دعوى نزول العذاب بهم الذي يشعر به الأمر بالتقوى في قوله - سبحانه - فيما سبق: {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ .... } الآية. فإِنه يأْمرهم بأَن يقوا أَنفسهم من عذابه.

وظاهر حالهم أنهم أرادوا من ظنهم كذبه في قولهم: {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} الجزم بوقوعه منه؛ لأنه أصبح له عادة وطبيعة في زعمهم، ولهذا أكدوا الظن بلام التأكيد في قولهم: {لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}. واستعمال الظن بمعنى اليقين والعلم لُغويٌّ وقد جاء به القرآن في مواطن، كقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُواللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (?).

187 - {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}:

حكى الله في الآية السابقة اتهامهم لشعيب - عليه السلام - بالكذب حسبما تخيلته نفوسهم المريضة، وجاءت هذه الآية تحكى ما بنوه على هذا الاتهام الكاذب.

والمعنى: إن كنت صادقًا في أَنك نبى، فادع الله أن ينزل علينا قطعًا من السحاب وأَجزاء منه عقابًا لنا على تكذيبك. قال السدى: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} أي: عذابًا واقعا عليهم من جهة السماء، وهذا شبيه بما قالته قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} إِلى أَن قالوا: {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} (?) , وقولهم: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)} (?).

ومن هذا يتضح أن جواب المكذبين لرسلهم متقارب في المعنى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015