وبالجملة فإن القصص القرآنى جاء في بعض السور مختصرا، وفي بعضها مبسوطا، وأن العبارات في الموقف الواحد قد تختلف في سورة عنها في سورة أخرى.
ويرجع ذلك إلى أن لغة الرسل وأقوامهم لم تكن عربية، وأن ما جاء في القرآن عن قصصهم إنما هو ترجمة عربية لما جرى بين الأنبياء وأُممهم بلغتهم، وأن هذه الترجمة تعود إلى أصل المعنى الذي دار عليه الحوار، أما الحوار نفسه فقد يكون واسع الأطراف كثير الجدل، متعدد اللقاءات، متطاول السنين، فلا غرابة في أن تجد القرآن الكريم في سورة يقتصر في حكايته الحوار وما حوله على المبدأ الأساسي الذي دار عليه الحوار، وترتبط به العظة المقصودة من سَوْقِ القصة، وأن نراه في سورة أُخرى يحكى الحوار بصورة أُخرى فيها بعض البسط، ليجد القارئ في إعادة القصة جديدًا لم يره في سورة أُخرى، فيضيفه إلى معلوماته السابقة في القصة.
وبالجملة فالقرآن الكريم يكمل بعضه بعضا، وهذا أُسلوب بديع تفرد به القرآن بين الكتب السماوية، لما فيه من إعادة التذكير والوعظ، مع التشويق إلى تتبع القصة في مظانها من القرآن، للاستزادة من المعرفة، حتى لا يمل من إعادة القصة إذا كانت بأسلوب واحد.
وليعلم القاريء أن القصص القرآني ليس الغرض منه بيان تاريخ الأمم، بل العظة بما حدث لهم عندما أعرضوا عن رسله، ولذا احتاج الأمر إلى تكرار قصصه مع التلوين في حكايتها وسردها.
ومعنى الآية: قال موسى للسحرة لما اجتمعوا في يوم الزينة: ألقوا ما أنتم ملقونه من أنواع سحركم فلست أبالى بكمه ولا بكيفه.
44 - {فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ}:
أي: فألقى السحرة حبالهم وعصيهم، وسلطوا عليها سحرهم ورُقاهم، فانقلبت أفاعي مخيفة؛ وثعابين مزعجة وجاءوا بسحر عظيم سحروا به أعين الناس واسترهبوهم وما هو إلا حبال وعصى في الحقيقة، فلو لم تسحر عيون الناس لرأوها كذلك، وقال