التفسير

67 - {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ... } الآية.

تناولت الآيات السابقة في وصف عباد الرحمن أَنهم مع السفهاء والجاهلين يُتَاركونهم ولا يجاهلونهم، ومع الله تعالى يتواضعون ويشتغلون بعبادته ويشفقون من عذاب جهنم ويتعوذون منها، ثم جاءَت هذه الآية تمدحهم بالاعتدال والقصد في شئون معاملاتهم وإِنفاقهم واختلف المفسرون في تحديد معنى الإِسراف والتقتير، فذهب جماعة إِلى أَن الإِسراف هو الإِفراط ومجاوزة الحد في الإِنفاق دُنْيا ودِينًا، فصفة عباد الرحمن: القصد والتوسط فإِذا أَنفقوا من أَموالهم على أَنفسهم وعيالهم، أَو تصدقوا منها على الفقراء والمساكين، أَو بذلوا في وجوه الخير، والمصالح العامة التي تعود بالنفع على المسلمين، التزموا الاعتدال والوسط، فلم يجاوزوا الحد، ولم يُفْرِطوا في الإِنفاق إِلى حد الإِسراف لكيلا يفتقروا ويضيعوا أَنفسهم وعيالهم، ولم يبالغوا في التقتير والتضييق، ولم يبلغوا درجة البخل والشح

بين تبذير وبخل رتبة ... وكلا الحالين إِن عام قتل

وذلك هو القوام، وهو ما يفهم من قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول فيما رواه حذيفة: "ما أَحسن القصد في الغنى، وما أَحسن القصد في الفقر، وما أَحسن القصد في العبادة" وقد قيل: "إِن المنْبَتَّ لا أَرضا قطع، ولا ظهرا أَبقى".

وذهب جماعة إِلى أَن الإِنفاق في طاعة الله ليس سرفًا مهما بلغ، ولهذا ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيدنا أَبا بكر يتصدق بماله كله، وأَقره عليه، وقال ابن عباس - رضى الله عنهما -: "من أَنفق مائة أَلف دينار في حقٍّ فليس بسرف، ومن أَنفق درهمًا في غير حقه فهو سرف" ومن منع في حق عليه فقد قتَر، قال النحاس: ومن أَحسن ما قيل في معناه: "أَن من أَنفق في غير طاعة الله فهو الإِسراف، ومن أَمسك عن طاعة الله - عَزَّ وَجَلَّ - فهو الإِقتار، ومن أَنفق في طاعة الله تعالى فهو القوام" وسمع رجل رجلًا يقول: لا خير في الإِسراف فرد عليه بقوله: "ولا إِسراف في الخير".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015