(عباد) وإِضافتهم إلى الرحمن فيه تقدير لإِيمانهم، وحسن أَعمالهم وتشريف لهم، وتبكيت للمشركين الذين أَنكروا اسم الرحمن، وأَعرضوا عن السجود له، وقوله تعالى: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}: معناه يسيرون في تقلبهم لتحصيل معايشهم، والسعى في حاجاتهم سيرا هيِّنا لينا لا بَغْى فيه ولا استعلاء، فكلمة: (هونا) مصدر وقع وصفا لموصوف محذوف، وقيل: المشى الهون يقابل السريع وهو مذموم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أَخرجه أَبو نعيم، وابن النجار عن ابن عباس: "سرعة المشى تذهب بهاءَ الرجل".
{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ}: معناه إِذا تكلم معهم السفهاءُ بالسوءِ أَو بكلام يؤذيهم ويكرهون سماعه أَعرضوا عنهم تحلما وسماحة، وقالوا ردًّا عليهم: تسلُّما منكم ومتاركة لكم، فليس معنى: {سَلَامًا} السلام المعروف لأَن الآية في مشركى مكة فلا سلام عليهم، والذي يظهر من الأُسلوب أَن المفهوم من قولهم سلاما هو سداد الردِّ مع البعد عن التفحش ومجاراة السفهاء.
وقيل معناه: إِذا سفه عليهم الجاهلون بالسوء، لم يقابلوهم بمثله بل يعفون ويصفحون ولا يقولون إِلا خيرا، كما كان - صلى الله عليه وسلم - لا تزيده شدة الجهل عليه إِلا حلما، وقوله تعالى:
64 - {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}:
معطوف على قوله تعالى: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا .... } الآية داخل معه في حيز الخبر لقوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} وفيه بيان لحالتهم مع ربهم، بعد بيان سلوكهم مع السفهاء خفاف الأَحلام من مداراتهم وعدم مجاراتهم، وكان الحسن يقول: إذا قرأَ الآية الأُولى: هذا وصف نهارهم، وإِذا قرأَ هذه الآية قال: "هذا وصف ليلهم" ويبيتون من البيتوتة - وهي الدخول في الليل وإِدراكه بنوم أو بدون نوم.
والمعنى: وعباد الرحمن الذين يحيون ليلهم بالصلاة قائمين ساجدين لربهم، وتقديم السجود على القيام مع تأَخره عنه في الأَداء إيماءٌ إِلى شرف السجود لما فيه من غاية الخضوع وفضل التذلل، وقد ورد: "أَقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" وقد حرم منه إِبليس، وأَباه المشركون، ونفروا من أَدائه. هذا فضلا عن مراعاة رءُوس الآي.