ذهابهما إليهم، وفي الكلام طَيٌّ لكلام يقتضيه المقام، تقديرُه: فقلنا اذهبا إلى القوم فذهبا إليهم، ودعَوَاهم إلى الإِيمان فكذبوهما.

واستمروا على تكذيبهما به أَن أَيدهما الله بآياته {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا}: عجيبًا هائلًا إِثر ذلك التكذيب المستمر - دمرناهم - بعذاب ماحق، لا يدع ولا يذر شيئًا إلاَّ أَتى عليه وجعله أَثرًا بعد عَيْن.

37 - {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ... } الآية.

أَي: أَن قوم نوح كذبوا جميع الرسل بتكذيبهم رسولهم إِذ لا فرق بين رسول ورسول؛ لاتفاقهم جميعًا على التوحيد وأُصول الشرائع، إذ لم يرسل إليهم إلاَّ نوح - عليه السلام - وقدْ لبث فيهم أَلف سنة إلاَّ خمسين عامًا، يدعوهم إلى الله، ويحذرهم عذابه، فما آمن معه إلاَّ قليل، وقد عاقبهم الله عقوبة لم يسبق لها مثيل، حكاها الله بقوله: {أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} أَي: أَغرقناهم بالطوفان؛ الذي تفجرت مياهه، وتلاحقت أَمواجه عالية شامخة كالجبال العظيمة، وجعلنا إِغراقهم أَو قصتهم علامة ناطقة ببالغ قدرتنا؛ لتكون عبرة لكل من شاهد آثارها، أو سمعها {وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا}: المراد بالظالمين الذين أَعدّ الله لهم العذاب هم أُولئك القوم الموصوفون بالتكذيب من قومه، أَو جميع الظالمين من الكافرين الذين لم يعتبروا بما نزل بهؤلاء من العذاب فيدخل فيهم قريش دخولًا أَوليًّا أَي: وأَعددنا للظالمين وهيأْنا لهم في الآخرة عذابًا بلغ أَقصى غاية في هوله وتأْثيره.

38 - {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا}:

أَي: ودمرنا عادًا قوم هود - عليه السلام - وثمود قوم صالح - عليه السلام - وأَصحاب الرَّس؛ وهم قوم شعيب - عليه السلام - ويقال لهم أَيضًا: أَصحاب الأَيكة، وكانوا يعبدون الأَصنام، فكذبوا شعيبًا وآذوه، فبينما هم حول الرّس خُسِف بهم وبديارهم فهلكوا جميعًا، وكانت بإِنطاكية الشام كما نقله القرطبي.

وقال وهْب والكلبى وقتادة: أَصحابُ الرّس، وأَصحاب الأَيكة (?): قومان أُرسل إليهما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015