{أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا}: أَي ذوو سُوءٍ وظلم وفساد أَكثر من غيرهم، وأَصله: أَشَرُّ، حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال، وفعله: من باب تَعِب، وفي لغة من باب قَرُب.
التفسير
32 - {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ... } الآية.
يخبر الله بذلك عن تعنت الكافرين، وتمسكهم بما لا يعنيهم، سواءٌ أَكان ذلك المعترض كفار قريش، كما قال ابن عباس، أَم طائفة من اليهود قالوا حين نزل القرآن مفرقًا: هَلاَّ أُنْزِل عليه جملة واحدة؛ كما أُنْزلت التوراة على موسى، والإِنجيل على عيسى، والزبور على داود؟ فأَجاب الله تعالى أُولئك القائلين بقوله تعالى: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}؛ فهو استئناف لردّ مقالتهم الباطلة، وبيان الحكمة في تنزيله التدريجى، أَي: مثل ذلك التنزيل المفرّق الذي قدحوا فيه؛ واقترحوا خلافه؛ نزلناه عليك، لا تنزيلًا كما أَرادوه، ليقرى بذلك التنزيل المفرق فؤادك، فتعيه ويتيسر لك حفظ لفظه، وفهم معانيه، وضبط أَحكامه، والوقوف على تفاصيل ما روعي فيه، مما يحتاج إِلى توضيح وبيان، كالتشريعات والمصالح، أَو إِلى دحض مطاعن الكافرين وإِبطالها بعد حكايتها وعرضها، في حين أَنك رجل أُمي، وتفريقه هو المناسب لحالك.
فكلما جَدَّ جديد نزل منه ما يناسبه، وبُيِّن فيه من الحُكم ما يوافقه، مطابقًا لمقتضى الحال.
لكل هذا، أَنزل الله القرآن منجما على النبي الأُمى - صلى الله عليه وسلم - رعايةً له وعناية به، وإِشفاقًا عليه حتى لا يلحقه مشقة في حفظه وتدبره وتبليغه، وليستمر الإِيناس له برسول ربه جبريل - عليه السلام - {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}. أَي فرّقناه آية بعد آية، قاله النخعي والحسن وقتادة، وقيل: بيّناه بيانًا تامًّا، فيه تَرَسُّل وتَثَبُّت. كما قال ابن عباس: يعني بيناه شيئًا بعد شيءٍ، وقيل: قرأناه عليك بلسان جبريل - عليه السلام - شيئًا فشيئًا على تُؤَدة كما قال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} (?).