وتخبر الكافرين بالخيبة والخسران، وكان يمكن أَن يقال: لا بشرى يومئذ لهم، بالإِضمار، ولكن إظهارهم بعنوان المجرمين، لتعليل سلب البشرى عنهم بإِجرامهم.

{وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} أَي: وتقول الملائكة للمجرمين إقناطا لهم: جعل الله تبشيركم بالغفران، والرحمة، أو بالجنة، حراما محرما، وقال بعضهم: إن المجرمين يطلبون البشرى من الملائكة فيقولون لهم ذلك.

وقيل: إن الضمير للكفار، أَي: ويقول أُولئك الكافرون للملائكة: {حِجْرًا مَحْجُورًا} وهي: كلمة تقولها العرب عند لقاء عدوٍّ موتور، أَو هجوم نازلة هائلة، يضعونها موضع الاستعاذة، والمقصود من الآية على هذا: بيان أَن الملائكة الذين يطلبونهم لتبليغهم لن ينزلوا إلا لتعذيبهم، حتى إِذا رأَوهم عند الموت كرهوا لقاءَهم أَشد كراهة وفزعوا منهم فزعا شديدا، وقالوا ما كانوا يقولونه عند نزول أَمر فظيع، وحلول بأْس شديد: حجرا محجورا، ومنعا ممنوعًا، مما نراه من العذاب.

وقوله: {مَحْجُورًا} صفة لِحجْرًا واردة للتأْكيد.

23 - {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}:

أي: وعمدنا إلى ما عمله الكفار من خير كانوا يعملونه في الدنيا كصلة رحم وإغاثة ملهوف، وقِرَى ضيف، وعفو عن أَسير، وغير ذلك من محاسنهم.

{فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}: حيث أَبطلنا ثوابها بسبب كفرهم، فلا ينتفع به في الآخرة وصار في عدم الجدوى منه شبيها بالهباء المنثور، وهو: ما يرى في شعاع الشمس يخرج من الكوة منثورا، بحيث لا يمكن الانتفاع به، وقيل: هو ما ذرته الرياح من يابس أَوراق الشجر، قاله قتادة وابن عباس، وقال ابن عرفة: الهبوة والهباءُ: التراب الدقيق.

وكل هذه المعانى للهباء المنثور تشير إلى أَن الله تعالى أَحْبَطَ أَعمالهم الطيبة إحباطًا تامًّا، وجعلها لا وزن لها ولا تقدير، كالهباءِ المنثور، كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} (?).

ولو صدرت عنهم فواضل الأَعمال وهم مؤمنون، لأُثيبوا عليها أَجزل الثواب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015