- صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، فإِن شحت نفوسهم عن الخير مع قدرتهم عليه، فهذا مخالف للخلق الذي اختاره الله لعباده المؤمنين.

ولقد تأَدب المؤمنون بهذا الأَدب العالى في عهده - صلى الله عليه وسلم - ولم يقصروه على الأَقارب، فقد كانوا يؤثرون إِخوانهم على أَنفسهم ولو كان بهم خصاصة واحتياج.

ثم قال الله - سبحانه -: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} يعنى أَنه يباح لمن كانت لديه مفاتيح فكان مستأْمن عليه أَن يأْكل منه، والمقصود من ملكه لمفاتيحه أَن يَكون أَمانة تحت يده، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: هو وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته.

وروى عن عكرمة أَنه قال: إِذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن، فلا بأْس أَن يَطْعَمَ الشيء اليسير (?).

وروى عن ابن عباس أَنه قال: نزلت هذه الآية في الحارث بن عمرو، خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غازيًا، وخلف مالك بن زيد على أَهله (?)، فلما رجع وجده مجهودا، فسأَله عن حاله، فقال: تَحرجْت أن آكل من طعامك بغير إِذنك، فأَنزل الله - تعالى - هذه الآية، وقد أَباح الله للصديق أَن يأْكل من صديقه بقوله: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} (?) والصديق: من يصدق في مودتك، وتصدق في مودته.

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل بستان أَبي طلحة المسمى (بَيْرَحَاء) ويشرب من ماءٍ فيها طيب بغير إِذنه، والماءُ مُتَمَلَّك لأَهله.

وإذا جاز الشرب من ماءِ الصديق بغير إِذنه جاز الأَكل من ثماره وطعامه، إِذا علم أَن نفس صاحبه تطيب به لتفاهته ويسير مؤنته، أَو لما بينهما من المودة، مادام محافظا على المحارم، أَما الآن فقد غلب الشح على الناس فلا يؤكل إلا بإذن.

ويقول الله - تعالى -: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا}: وهذه الجملة مستأْنفة لبيان حكم جديد: هو إِباحة الاجتماع على الطعام المشترك، وأن يتفرقوا إن لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015