والمراد بالدابة هنا: ما يدب ويتحرك بنفسه على الأرض، أو في جوفها، أو في مائِها من الحيوانات والحشرات والأسماك، والله تعالى يقول: إنه خلقها كلها من ماءٍ، والمراد منه: النطفة، فالله - تعالى - جعل لكل ذكر من الحيوانات والحشرات والأَسماك نطفة تشتمل على خصائص نوعه، يودعها أَحشاء أنشاء فتحمل ثم تضع ذريتها لاستبقاءِ نوعها، ولا نعلم شيئًا من الكائنات الحية يخالف هذه القاعدة سوى آدم وعيسى، فآدم خلق من تراب، وعيسى خلق بالنفخ , ولا يمنع هذا عموم خلق الكل من الماء، فالنادر لا حكم له، فإن وجدت كائنات حية خلقت بغير النطفة سواهما، فالتعبير حينئذ بلفظ: (كل) مراعاة للغالب (?).

وقد يراد من الماء: ما دخل في تكوين كل دابة من الماءِ، وخصّه بالذكر دون سائر عناصر تكوينها لأَهميته العظمى في بناءِ أَجسامها، ويفصل الله - تعالى - أنواع الدواب المخلوقة من الماء فيقول:

{فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ}:

أَي: فمن الدواب التي خلقت من ماءٍ من يمشى على بطنه كثعابين البَرِّ وزواحفه المختلفة، وثعابين الماءِ وسائر أَسماكه، وسميت حركة هذه وتلك مَشْيًا مع أَن الأُولى زَحْفٌ، والثانية سباحة، للمبالغة في إظهار قدرتها على الحركة كالدواب التي تمشى، ويزيدها حسنًا ما فيها من المشاكلة لِمَشْىِ ما بعدها، والمشاكلة نوع من أَنواع البلاغة.

ومن هذه الدواب من يمشى على رجلين: كالإِنسان والطير، ومنها من يمشى على أَربع: كالأَنعام والوحوش وبعض حيوانات البحر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015