وأَما إثباته بحمل البكر أَو الثيب التي لا زوج لها، فهو نادر، بل ربما كان بعيد الاحتمال في عصر ابتكرت فيه وسائل منع الحمل.
وقد بلغت سماحة الإسلام في تجنيب الزانى حد الزنى، وتركه لربه لعله يتوب فيما بينه وبينه، أَنه ينبغي للقاضى أَن لا يتعقب اعترافه، فقد روى البخاري في صحيحه بسنده عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: (كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءَ رجل فقال: إني أصبت حدا فأقمْ فيَّ كتاب الله، قال: "أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم، قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك - أو قال - حدك".
وإذا أصر الزاني على اعترافه بأَنه زنى، رغبة في إقامة الحد، ينبغي للقاضى أَن يصرفه عن اعترافه هذا بالتعريض له بتركه؛ فقد روى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس قال: (لما أتى ماعز النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "لعلك قبلت أو غمزت أَو نظرت" قال لا يا رسول الله) أي: أنه - صلى الله عليه وسلم - يريد أَن يقول له: لعلك اعتبرت واحدًا من هذه الثلاثة زنى، فقلت إِنك زنيت، وليس في مثل ذلك حد فانصَرِفْ، ولكنه أصر على أَنه زنى حقيقة، ولقد مضى أَن النبي كان يعرض بوجهه عنه لينصَرِفَ, فيعود فيواجه النبي باعترافه أَربِع مرات، فأمر برجمه.
ويروى البخاري في هذا حديثا في صحيحه بسنده عن جابر (أن رجلا من أسلم جاءً النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعترف بالزنى فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَبك جنون؟ " قال: لا، قال: آحْصنت (?)؟ قال: نعم، فرُجِمَ بالمصلى ... ) الحديث، فمن هذا التفصيل نعلم أن إقامة الحد على الزانى محوطة بحصانة وضمانات تجعلها شبه متعذرة لحرص الشارع على الستر على الأعراض، وترك الباب مفتوحا للمذنب ليتوب إلى ربه فيما بينه وبينه.
أخرج الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي سعيد (أَن رجلا من أسلم يقال له ماعز ابن مالك أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إني أَصبت فاحشة فأَقمه عليّ، فردّه