والظهر أن الآية واللتين قبلها نزلتا قبل أن يخير الله تعالى نبيه بقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)} (?).
96 - {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)}:
أي: قابل السيئة التي تأتيك من قومك وامنع أثرها عن نفسك بالخصلة التي هي أحسن من مقابلة السيئة بمثلها , والدفع بالتي هي أحسن على ثلاث درجات , أدناها أن تصفح عن سيئته , وما فوقها أن تحسن إليه إحسانًا ما , وأعلاها أن تجزل الإحسان إليه.
وأمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بذلك توكيدٌ لما هو ملتزم به من هذا الخلق الكريم مع المؤمنين فقد كان يقابل السيئة بالحسنة , وكان يقول: الله أغفر لقومى فإنهم لا يعلمون.
والخطاب في الآية وإن كان موجهًا إلى الرسول حسبما يؤذن به السياق , فإن الحكم فيه يعم كل مسلم , فينبغى أَن لا يقابل السيئه بمثلها , حتى لا يتمادى المسىء في إساءته , فيعظم البلاءُ وتحدث الفتن , فإن معظم النار من أعظم السرور , وفي عموم معناها أخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن أنس أنه قال: (يقول الرجل لأَخيه ما ليس فيه فيقول: إن كنت كاذبًا فأنا أسأَل الله أن يغفر لك , وإن كنت صادقًا فأنا أسأل الله أن يغفر لى) والدفع المذكور مطلوب ما لم يؤد إلى ثلم الدين أو خدش المروءة.
وفي ختام الآية يقول سبحانه: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} أي: نحن أكثر علما منك بما يصفونك به في السر والعلانية , من الأوصاف التي يُكَذِّبُهَا ما أنت عليه من الكمال الخلقى والصدق في تبليغهم أحكام ربهم , وفي هذه الجملة وعيد لهؤلاء المتقولين على الرسول بالعقوبة , وتسلية له - صلى الله عليه وسلم - وإرشاد له إلى تفويض الأمر له عز وجل , والآية من قبيل الموادعة والمهادنة , حتى يشتد جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - , فيقاتلهم حتى يهتدوا إلى سواء السبيل.