فأخذته قريش فقالوا: لقد اجترأت علينا وصَبَوْتَ يا ثمامة، قال: أسلَمت واتبعت خير دين، دين محمد - صلى الله عليه وسلم - والله لا يصل إليكم حبة من اليمامة - وكانت ريفًا لأهل مكة - حتى يأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم خرج ثمامة إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا لمكة شيئًا حتى أضرَّ بهم الجوع، وأكلت قريش العِلْهز (?)، فكتبت قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناءَ بالجوع، إنك تأْمر بصلة الرحم، وأنت قد قطعت أرحامنا، فكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ثُمامة - رضى الله عنه -: "خَلِّ بين بنى قومى وبين مِيرَتهم" ففعل.
وفي رواية أَن أبا سفيان جاءَه - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أَلست تزعم ... إِلخ وكان هذا قبل الفتح بقليل (?).
وقد نزلت الآية الكريمة لتبين أن كشف الضر عنهم بسعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتابته إلى ثُمامة لن يؤثر في قلوبهم المريضة، بل سيظلون في طغيانهم يترددون.
76 - {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}:
هذه الآية تسجل على قريش عنادهم في كفرهم، وأن الآيات والنذر لا تنفعهم، فإذا كانوا لم ينزعوا إِلى الإِيمان بامتحانهم بآية العذاب والضُّر، فكيف يؤمنون برحمتهم وكشف الضر عنهم؟.
والمعنى: ولقد أخذنا قريشًا بعذاب الجوع والقحط، فما خضعوا به إلى الحق، وما يتذللون لربهم ويدعونه بإِيمان وصدق لكي يكشف الضر عنهم، فقلوبهم مع أوثانهم وليست مع خالقهم، ومن كان أمرهم ذلك، فلن يخضعوا برحمته تعالى وكشف ضره عنهم، ولو كانوا يعقلون لعرفوا أَن الأمر كما قاله العليم الخبير: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (?).