والحق أنه العذاب الأُخروى؛ إذ هو الذي يفاجئون عِنده بالجؤار، فيجابون بالرد والإقناط من النصر والنجدة، وأما عذاب يوم بدر فلم يوجد لهم عنده جؤار حسبما ينبىءُ عنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76)} (?) فإن المراد بهذا العذاب ما جرى عليهم يوم بدر.
وأَما عذاب الجوع، فإن أَبا سفيان وإن تضرع فيه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن لم يرد عليه بالإقناط، حيث روى: "أنه - عليه الصلاة والسلام - قد دعا بكشفه، فكشف عنهم ذلك" اهـ.
{إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ}: أي يصرخون ويضجون مستغيثين بربهم من مفاجأة العذاب لهم، وتخصيص مترفيهم بالأخذ بالعذاب مع عموم عذاب الآخرة لهم ولغيرهم، للإشارة إلى أَن ما كانوا فيه من المنعة بحماية الأتباع والحشم لهم في الدنيا، لم ينفعهم يوم القيامة حيث لقوا ما لقوا من الأهوال والشدائد، فلَأن يلقاها سواهم من تابعيهم وحشمهم أحق وأَولى.
65 - {لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ}:
أي: يقال لهم ذلك لتبكيتهم وإقناطهم من أن يستجاب لصراخهم وضجيجهم من جهته تعالى، وتخصيص اليوم بالذكر لتهويله، والإيذان بتفويتهم وقت الجؤار.
{إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ}: تعليل للنهى عن الجؤار ببيان أنه لا ينفع ولا يفيد، فلا نصر لهم ولا معونة منه تعالى تنجيهم مما حلَّ بهم من هول وعذاب. وقال الحسن: لا تنصرون بقبول التوبة.