تَضَمَّنَتْ هذه الآية الصفة إلاُولى للمتَّقين الذين نزل القرآن هدى لهم.
واعلم ان التكاليف الشرعية: اما ترك، واما فعل. وما يطلب تركه يدخل تحت عنوان المتقين. والفعل: اما قلبى: ويدخل تحت قوله: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}. وإِما من عمل الجوارح.
وقد أَشار إلى البدني منها بقوله: {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}، وتخصيصها بالذكر؛ لأنها رأس العبادة البدنية، ولأنهاتنهى عن الفحشاء والمنكر، لقوله تعالى: { ... إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ... (?)}.
وأَشار إلى المالي منها بقوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.
ووجه الترتيب في الآيتين: أن الترك من قبيل التخلية، وأن الأفعال من قبيل التحلية، والأولَى تسبق الثانية، ولهذا قدم وصفهم بالمتقين على غيره من الأوصاف، لأن التقوى من قبيل التحلية، فهي أشبه بإزالة الأدران والأوساخ قبل التحلية باللباس النظيف الجديد الذي تشبهه سائر صفات المتقين. ويلي هذا ما كان عن عمل القلوب، وهو الإيمان بالغيب، إذ هو أساس قبول العمل الصالح، ولهذا لم يقبل من الكفار عمل مهما كانت صورته طيبة، لأنه لم يقم على عقيدة صحيحة قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (?)}:ويلي ذلك العبادة البدنية التى ترجع فائدتها إلى فاعلها، وقد أشير إليها بقوله:
{وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} ثم العبادة المالية المتعلقة بغير فاعلها المشار إليها بقوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}، أي على جهات البر.
والإيمان بالغبب هو التصديق والإذعان القلبى به، والمراد بالغيب ما غاب عن الحس من شئون الدين وقام الدليل على ثبوته، فافه تعالى لا تدركه الأبصار، وما يتعلق بالملإِ الأعلى أو بأحوال يوم القيامة، من بعث وحثر وحساب، غيب - فالإيمان بذلك كله ايمان بالغيب، ولا يتحقق الإيمان بدونه، وهو أساس لفروع الإيمان، ولهذا قدمه عليها.
جاء في تفسير ابن كثير جـ1ص 41 قال سعيد بن منصور، حدثنا أبر معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بت عمير، عن عبد الرحمن بت يزيد، قال: كنا عند عبدالله