والمعنى: الأَمر ذلك الذي تقدم بيانه من حسن جزاءِ المهاجرين الذين قتلوا في سبيل الله أَو ماتوا، ثم استأْنف الله فبين حق المسلمين في الأَخذ بثأْر الذين قتلوا في سبيل الله فقال ما معناه: ومَن انتَقَم من المعتدين عليه بمثل ما فعلوا به، ثم بُغِى عليه بالاعتداءِ مرة ثانية، لينصرنه الله على من بغى عليه.

وسبب نزول هذه الآية كما قال مقاتل: أَن قوما من المشركين لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم، فقال بعضهم لبعض: إِن أَصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم، فناشدهم المسلمون أَن يكفوا عن قتالهم لحرمة الشهر، فأَبوا وقاتلوهم فذلك بغيهم عليهم، وثبت المسلمون لهم فنصروا عليهم، فوقع في أَنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام ما وقع، فأَنزل الله هذه الآية.

وقد عرفنا منها أَن من حق الإِنسان أَن يقابل المعتدى بمثل عدوانه؛ فالدفاع عن النفس أَمر مقرر في شريعة الله تعالى، كما أَنه أَمر معترف به في جميع الشرائع الوضعية، وسمى الدفاع عقابا على سبيل المشاكلة والمزاوجة، مثل قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (?).

ومثل قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (?) وقد أَمرنا الله تعالى أَن يكون عقابنا للمعتدى مماثلا لعدوانه، فلا يحل لأَحد أَن يتجاوز المماثلة في رد العدوان، فإِذا شَتَم إِنسانٌ آخر فلا يكون رد المشتوم قتل الشاتم، فإِن عاد الخصم إِلى العدوان، فبالغ في بغيه وعدوانه فإِن الله سينصر المظلوم على من بغى عليه لا محالة إِذا انتقم منه لنفسه، وعلَّل الله نصرته بقوله:

{إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}: لمن أَخذ بحقه، ولم يأْخذ بقوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} أَي: أَنه تعالى مع حبه للعفو والغفران واتصافه بهما، ينصر المظلوم الذي ينتقم من ظالمه، إِن فعل خلاف الأَولى، وهو الانتقام بدل العفو، لأَنه أَخذ بحقه وليس معتديا أَولا وآخرا، وإِن كان العفو أَقرب إِلى التقوى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015