حين أَنه قتل منهم قتيلًا، وأنهم كانوا يأْتمرون به ليقتلوه، فلهذا سأل ربه أنا يشرح له صدره وييسر له أمره، ويطلق لسانه فلا يتلعثم ولا ينعقد عن تبليغ أَمر ربه، وأن يشد أزره بأخيه هارون ليصدقه ويعاونه. ولا يقتضي وصفه له بأَنه أفصح منه لسانًا، أن يكون لدى موسى رتة ولثغة في لسانه كما قيل، فربما كان مقصوده من ذلك أنه لا توجد لدى هارون أسباب يخشى أَن تحبس لسانه، كالأسباب التي لديه، على أَنه لو فرضت زيادة هارون عليه في الفصاحة، فإِن ذلك لا يقتضي وجود عيب في لسانه، فهو فصيح وأَخوه هارون أَفصح منه، والله تعالى أعلم.
29، 30 - {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي}:
أي واجعل لي موازرًا ومعينًا من أهلى أَقرب الناس إلَيِّ، وهو هارون آخى، ليحمل معى أَعباءَ الرسالة، من الوِزْر بكسر الواو وسكون الزاى، بمعنى الحمل، ويجوز أن يكون المعنى: واجعل لي هارون أَخى ملجأ أَلجأُ إليه وأَعتصم به عند الشدائد، والمكاره، من الوَزَر بفتح الواو والزاى، بمعنى الملجأ.
31، 32 - {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}:
يطلق الأزر في اللغة على القوة وعلى الظهْر، فعلى الأول يكون المعنى: احكم يا رب بأخى هارون قوتى، وأَشركه يا مولاى في تبليغ رسالتى، وعلى الثاني، يكون المعنى: أشدد به ظهرى وأَشركه فيما ذكر من أَمرى.
والمقصود من هذا الدعاءِ، أن يجعلهما الله تعالى متعاونين في تبليغ الرسالة إلى فرعون وقومه، وإِلى بني إسرائيل، أَخرج ابن أَبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أَنه قال في قوله تعالى: {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}: - نُبِّىء هارون ساعتئِذ - حين نبِّىءَ موسى عليه السلام.
أَي أَنه نُبيءَ هارونُ بدعوة أَخيه موسى في وقت مكالمة الله الذي امتد حتى بشره ربه بإجابة دعائه كله كما سيأْتى، فلهذا قال ابن عباس - نُبيءَ هارون حين نُبِّىءَ موسى، أَي أَنه نبىء في وقت المكالمة الذي كان موسي فيه قد نبىءَ، ثم ختم موسى عليه السلام دعاءه بما حكاه الله بقوله: