إلى ما يأْتى بعدها من الآيات والعِبَر، وقيل غير ذلك وأرجح الآراء في تأويلها أنها ترمز إلى التحدى، بأن يأتوا بمثل هذا القرآن المكون من كلمات وجمل، ذوات حروف مما ينظمون منه كلامهم، فإذا عجزوا عن الإِتيان بمثله أو بمثل سورة منه مع ما يمتازون به من الفصاحة والبلاغة، .. فمحمدٌ مثلهم .. وذلك دليل على أَن القرآن من عند الله تعالى، وليس لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فيه إلا مجرد تبليغه عن ربه. لا يزيد فيه حرفًا ولا ينقص منه حرفًا. ولا يزال إعجازه قائمًا. والتحدى به باقيًا، ولا يزال حفظه بحفظ منزِّله خالدًا أَبدًا، كما تكفل به جل وعلا - إذ يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (?).

2 - {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}:

سبب النزول:

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلقى من المشركين تعبًا مرهقًا. ويأسف أسفًا شديدًا بسبب إعراضهم عن القرآن الكريم وعدم إيمانهم به، فأَنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية تسلية له .. وتخفيفًا عليه .. والمعنى - ما أَنزلنا عليك القرآن أيها الرسول - ليكون سببًا في شقائك وعنائك، وفرط أسفك على كفر هؤلاء المشركين، كقوله عَز وجل: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (?). والشقاءُ شائعٌ في معنى التعب والعناء، ومنه قولهم، سيد القوم أشقاهم وقولهم: أشْقَى منْ رائِضِ مُهْرٍ.

وهذا الوجه في سبب نزول الآية هو المختار، لمناسبته للسياق. وقوله تعالى:

3 - {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}.

أَي ما أنزلنا القرآن عليك إِلا تذكيرًا لمن شأْنه أَن يخشى الله ويخافه، لأَن الذين يخشون ربهم هم المنتفعون بالقرآن ومواعظه، وأما غيرهم فكالعدم، ولا ريب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلَّغ وذكَّر وحذَّر وأنذر، فليس مسئولًا بعد ذلك عن كفرهم، فقد قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} (?). وقال عز من قائل: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ َ} (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015