واعلم أن الردم في اللغة أقوى من مطلق السد، مأخوذ من قولهم سحاب مُرَدَّمٌ، أي متكاثف بعضه فوق بعض، أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال عن الردم: (هو كأشدّ الحجاب) وعلى هذا يكون قد وعدهم بتحقيق مرادهم فوق ما يتخيلون وهذا هو ما يليق بملك عظيم مثله، ثم فصل لهم بعض مطلوبه من القوة التي يعينونه بها فقال:
96 - {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا}:
أي أعطونى قطع الحديد , فأتوه بها , فجعل يضع بعضها على بعض بطريقة تقتضى التماسك والارتفاع بالبناء , حتى إذا ساوى ذو القرنين ما بين جانبى الجبلين بما بناه من السد قال لعماله: انفخوا بالكيران في الوقود الموضوع بين قطع الحديد بعد إشعال النار فيه , ليصبح الحديد مثل النار , فيلتصق بعضه ببعض , ففعل العمال ما أمرهم به.
{حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}:
هذه العبارة مترتبة على كلام مقدر مفهوم من المقام، فكأنه قيل: ففعل العمال ما أمرهم به ذو القرنين من النفخ في الوقود المشتعل بين قطع الحديد, حتى إِذا جعل السد يشبه النار في شكله وفي حرارته قال لعماله الذين يقومون بإذابة القطر وهو النحاس أو الرصاص أو الحديد - قال لهم - أحضروا القطر الذي صهرتموه وأذبتموه لأُفرغه على السد، فأحضروه له فأفرغه عليه فسدّت به الثغرات التي كانت بين قطع الحديد بعد أن تم احتراق الوقود الذي بينهما، والتصق بعضها ببعض أشد التصاق.
97 - {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}:
أي فجاء يأجوج ومأجوج وقصدوا أن يعلوه أَو ينقبوه, فما استطاعوا أن يعلوا ظهره ويرتقوا فوقه لشدة ارتفاعه وملاسته، وما استطاعوا له خرقا لصلابته وغلظه، قيل: كان ارتفاعه مائتي متر، وكان غلظه خمسين ذراعا، والله أَعلم بصحة ذلك.
وفي هذه الآية تساؤلات نذكرها ونجيب عليها فيما يلى، ونسأل الله التوفيق:
س 1: لماذا قال ذو القرنين لأهل ما بين السدّين: {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} مع أنه امتنع عن أخذ المال منهم، وقال: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْر