والمعنى الإجمالى: ويسألك السائلون من قريش بتحريض اليهود، أو اليهود أنفسهم يسألونك عن صاحب القرنين الذي جَاب الأرضَ كلها، قل أيها الرسول مجيبا لهم: سأقرأ عليكم من قصته نبأً مذكورًا، أَقرؤُه على سبيل التلاوة من وحى الله تعالى الذي أوحاه إليَّ جلّ وعلا.
84، 85 - {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}:
أَجمل الله قصته في الآية الكريمة الأولى، تمهيدًا لتفصيلها في الآيات المقبلة، ومعنى الآية: إنما جعلنا لهُ مُكنَةً وقدرة على التصرف في الأرض، وأعطيناه من أجل كل شيء أَراده فيها سبَبًا ووسيلة توصله إِليها، فلا يعوقه عن مراده عائق، ومن هذه الأسباب سعة العلم وحسن التدبير، والحكمة في التصرف، وتدريب الجنود، واختيار القواد، والعتاد الحربى، فأراد التوجه إلى ناحية مغرب الشمس {فَأَتْبَعَ سَبَبًا}: اتبع واتَّبع بمعنى واحد أي اتبع طريقًا وأسلوبًا من شأنه إنجاح غزوه للأقطار الغربية.
وقد أشارت الآية الكريمة {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} إِلى أن معالى الأمور لا تنال إلا باستعمال الأسباب الموصلة إِليها، وأن المجد لا يناله القاعدون الخاملون.
86 - {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} (?):
أي اتبع الطريق والسبب الموصل إلى مقصده، حتى إذا بلغ في فتوحاته منتهى الأرض من جهة مغرب الشمس، ووقف عند حافة المحيط، وجد الشمس - كما أدركها بصره - تغرب في عين ذات حمأة، والحمأة الطين الأسود.
وقرىء {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} وبها قرأ معاوية وعبد الله بن عمرو بن العاص، ولا منافاة بين القراءتين، فإِنه لما بلغ حافة اليابسة، وقف ينظر إِلى الشمس عند غروبها، فرآها في نظره كأنما تغرب في عين متقدة نارية، بسبب قرص الشمس الشديد الحمرة، الذي يبدو كأنه وقدة من النار جعلت مكان اختفائها في نظره، كأنما هو عين حامية - وكما يتصورها الناظر تغرب في عين حامية، يتصورها تغرب في عين ذات طين أسود، فإنها لما غابت تحت الماء، أصبح مكان اختفائها فيه مظلمًا باهتًا بعد أَن كان متقدًا.