معه قتل عاد وإرم, وكانوا أحيانا يخرجون التوراة ويضعون أصابعهم على اسمه صلى الله عليه وسلم، ويستفتحون به علي أعدائهم، فكانوا يقولون اللهم إنا نسألك بحق نبيك الذي وعدتنا أَن تبعثه آخر الزمان، أن تنصرنا اليوم على عدونا فينصرون، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (?). وفي سنة 135 ميلادية ثاروا مرة أخرى على الرومان، فاحتلوا المنطقة اليهودية في القدس ودمروها وقتلوا أهلها، وهدموا هيكلها من جديد، وحرثوا أرضه، وبنوا مكان المنطقة اليهودية مدينة أخرى حرموها علي اليهود (?). إلى غير ذلك من حوادث الإفساد.
وترتيبها زمنا أَو أثرا لتعرف المرتان المقصودتان من الآية الكريمة فيه صعوبة إن لم يكن متعذرًا، ولهذا قال الجبائي: إن الله تعالى ذكر إفسادهم في الأرض مرتين، ولم يبين ذلك فلا يقطع بشيء مما ذكر.
5 - {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا}:
أي فإذا جاء موعد عقابكم على أولى مرتَيْ إفسادكم في الأرض، سلطنا عليكم عبادا لنا أَصحاب قوة شديدة وبطش في الخروب، فترددوا بين دياركم وتخللوها طلبًا لكم، وكان العقاب الموعود علي تلك الإفسادة وعدًا نافذًا لا خلف فيه، قال القرطبي في هؤُلاء العباد: هم أهل بابل، وكان عليهم بختنصر (?) في المرة الأولى حين كذبوا أَرمياء وجرحوه وحبسوه، قاله ابن عباس وغيره، وقال قتادة: أرسل عليهم جالوت فقتلهم، فهو وقومه أولو بأس شديد: انتهى كلام القرطبي.
وقال الآلوسى: الجمهور على أن في هذه البعثة خرب هؤلاء العباد بيت المقدس ورقع القتل الذريع والجلاء والأسر في بني إسرائيل، وحرقت التوراة: اهـ
ولا تغفل عما قلناه من أن تعيين المرة الأولى وعقابها اجتهادى لا قطعي.