ولو كانت رؤيا منامية لما كانت فتنة للناس حين علموا بها، لأن النائم قد يرى نفسه في السماء وأنه يطير بين المشارق والمغارب ولا يكذبه أحد، ومثله يحدث عادة لكثير من الناس مناما.
وسيأتى بيان فتنة قريش حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بحديث الإسراء، عند شرح قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} (?).
والعبودية لله عند العارفين من أهل الحق أشرف الأوصاف، ولقد كان المحبون للبشر يفخرون بها، ومن ذلك قول قائل في محبوبته:
لَا تدعني إلا بِيَا عَبدَها ... فَإنهُ أَشرَفُ أسمَائيا
فكيف بالعبودية لمالك الملك والملكوت، على أن في وصفه صلى الله عليه وسلم بالعبودية وقد وصل إلي ما هو عليه من الرفعة العلية، سدا لِبَاب الغلو فيه, كما وقع للنصارى مع نبيهم عيسى عليه السلام.
قال القشيري: لما رفعه الله إلى حضرته السنية، ورقاهُ فوق الكواكب العلوية، ألزمه اسم العبودية تواضعًا للأمة.
والمسجد الحرام وقت الإسراء كان مليئًا بالأصنام التي كان العرب يعبدونها قبل إيمانهم، وتسميته بالمسجد الحرام مع هذا، لأن المسجد في اللغة مكان السجود وهو الخضوع، وكانوا في عبادتهم لأصنامهم خاضعين لها أشد الخضوع، وكان حرمًا آمنًا يحرم فيه القتل والأخذ بالثأر عندهم.
والمسجد الأقصى بيت المقدس، فكان مسجد النبيين ومصلاهم (?)، بناه يعقوب بعد بناء إبراهيم الكعبة بأربعين سنة، ولهذا قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}. ثم شرع في تجديده داود، وأتمه سليمان ابنه عليهما السلام،