{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ}: أَى جرت السنة الإلهية حسبما اقتضته الحكمة بألا يبعث الله للدعوة إلى دينه، إلا رجالاً يوحى إليهم بوساطة الملك الذي يحمل إليهم أوامر الله ونواهيه لتبليغها إِلى أُممهم، وتلك الأُمم حسب طبيعتها الآدمية لا تستطيع معاينة الملك على صورته الأصلية، فإنهم يهلكون إِن جاءهم بها، فلا بد من أن يكون بصورة رجل لكي يحتملوا لقاءه، ولكنه في هذه الحالة يلتبس عليهم الأمر فيظنونه بشرًا كما قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا} (?)، ولمَّا كان المقصود من خطاب الله لرسوله هو تنبيه الكفار إلى مضمونه. صرف الخطاب إِليهم حيث قال سبحانه:

{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}: أى فاسألوا أهل الكتاب الذين أَسلموا كما قال سفيان، أو المراد أهل الكتاب مؤْمنهم وكافرهم. لأن من لم يؤْمن منهم معترف بأن الرسل كانوا بشرا. أو المراد علماءُ وأَحبار الأُمم السابقة الذين يجيدون ذكرها وحفظها.

{إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}: أن جميع الأنبياء كانوا رجالا فاسألوهم ليعلموكم ذلك.

44 - {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ}:

البينات: الحجج، والزبر: الكتب؛ جمع زبور وهو الكتاب أى أرسلنا الأنبياء بالحجج الواضحة، والبراهين الساطعة المؤيدة لهم، الدالة على صدقهم، وأرسلناهم بالكتب المنزلة عليهم بيانا للشرائع والتكاليف.

{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ}: أى القرآن وهو مأخوذ من التذكير أي الوعظ والإيقاظ من الغفلة.

{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}: من ربهم في هذا الكتاب من العقائد والأحكام والأخلاق بقولك وفعلك. لعلمك بمعنى ما أُنزل إليك، وحرصك عليه. واتباعك له. فتفصل لهم ما أُجمل، وتبين ما أَشكل بيانًا شافيًا، وبنحو هذا المعنى قال مجاهد، فقد نقل عنه أن المراد بهذا التبيين شرح ما أُشكل، وتفسير ما أُجمل إذ هما المحتاجان للتبيين، وأما النص في معناه والظاهر فلا يحتاجان إليه: اهـ نقلا عن الألوسي.

وبالجملة فالمعنى أَنزلنا اليك القرآن لتبين للناس ما خفى عليهم من أسراره وعلومه التي لا تكاد تحصى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015