حامدًا له سبحانه على أَن هداك إِلى الحق وشرح صدرك به. وكن من المصلين الخاشعين، يكشف همك وغمك، ويذهب الضيق الذي تجده في صدرك.
ولأَن السجود في الصلاة أَظهر ما فيها من الخضوع، وأَفضل أَجزائها من الخشوع - عبر الله به عنها، وأَمره به بصيغة تدل على الدوام والاهتمام بالصلاة وبالسجود معًا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إِذا حَزَبه أَمر فزع إِلى الصلاة (?). وقد روى عن مسلم في صحيحه عن أَبي هريرة رضى الله عنه أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأَكثروا الدعاء".
وفي ختام السورة الكريمة بقوله تباركت أَسماؤه:
99 - (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ):
أَمر إلهى كريم للنبي صلى الله عليه وسلم بدوام العبادة لربه والدعوة إِليه حتى يأْتيه اليقين، أَي الأَمر الموقن به وهو الموت.
أَي دم على بما أَنت عليه من الصلاة والعبادة لربك ما دمت حيا.
والآية دليل على وجوب العبادة - وعمادها الصلاة - على كل مكلف ما دام عقله ثابتًا. ولو كان مريضا كما ثبت في صحيح البخاري وغيره عن عمران بن حُصينٍ رضى الله عنهما أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلِّ قائما، فإِن لم تستطع فقاعدا، فإِن لم تستطع فعلى جنبك".
والآية الكريمة دليل كذلك على تخطئة من ذهب من الملاحدة إِلى أَن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أَحدهم إِلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم! وهذا كفر وضلال وجهل، فإِن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كانوا هم وأَصحابهم أَعلم الناس بالله، وأَعرفهم بحقوقه وصفاته وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أَكثر الناس عبادةً ومواظبةً على فعل الخيرات، إِلى الممات. وإِنما المراد باليقين هنا الموت كما قدمناه. ولله الحمد والمنة، وهو المسئول أَن يتوفانا على أَكمل الأَحوال وأَحسنها فإِنه جواد كريم.