البيان

اختلف العلماءُ في تفسير المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين على سبعة أَقوال نختار منها قولين: (أَحدهما) ما قاله مقاتل والفراءُ، من أَنهم ستة عشر رجلًا، أَرسلهم الوليد ابن المغيرة أَيام موسم الحج فاقتسموا طرق مكة ومداخلها وفجاجها، يقولون لمن سلكوها: لا تغتروا بهذا الخارج فينا يدّعى النبوة فإِنه مجنون، وربما قالوا: ساحر، وربما قالوا شاعر، وربما قالوا كاهن، وسُمُّوا مقتسمين لأَنهم اقتسموا مداخل مكة فأَماتهم الله شر ميتة، وكانوا نصَّبوا المغيرة بن شعبة حكمًا على باب المسجد الحرام، فإِذا سأَلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وافق كل فرية هؤلاء المقتسمين، وصدقهم فيما يفترونه - هكذا حكى القرطبى رأْى مقاتل والفراء.

(والقول الثاني) لِقَتَادَة وخلاصته أَنهم قوم من كفار مكة، اقتسموا كتاب الله فزعموا بعضه شعرًا، وبعضه سحرًا، وبعضه كهانة، وبعضه أَساطير الأَولين فهؤلاءِ هم المقتسمون جعلوا القرآن عضين، أَي جعلوه أَجزاءً مختلفة وفرقًا متباينة، لكل جزءٍ منه اسم من الأَسماءِ التي مر بيانها.

وإِنما اخترنا هذين القولين لأَن السورة مكية، وما جاء فيهما حدث من مشركى مكة.

أَما ما قيل من أَن المقتسمين هم أَهل الكتاب، اقتسموا القرآن فيما بينهم، فآمنوا ببعضه وهو ما وافق التوراة والإِنجيل. وكفروا ببعضه وهو ما خالفهما، أَو اقتسموه استهزاءً. فقال بعضهم لبعض: هذه السورة لى وهذه السورة لك، أَو اقتسموا كتبهم ففرقوها وبدَّدُوها - أَما هذه الأقوال الثلاثة فغير مقبولة لأَن السورة مكية. ولم يحدث من النبي صلى الله عليه وسلم في مكة احتكاك بأَهل الكتاب. ولا تبليغ القرآن لهم حتى يقولوا فيه ذلك، كما أنه لم يسبق لأَهل الكتاب في السورة كلها ذكر مطلقًا حتى يتوهم رد المقتسمين إِليهم وتفسيرهم بهم.

وأَما ما قيل من أَن المراد بهم قوم صالح تقاسموا على قتله فسموا مقتسمين كما قال سبحانه في سورة النمل حكاية عنهم: "قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015