والمعنى: قالت الرسل لأُممهم مستنكرين شكهم في ربهم: أَفى وجود الله شك وارتياب حتى تقولوا لنا: "وَإنَّا لَفِى شَكّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ". في حين أَنه فاطر السماوات والأَرض ومبدعهما، أليس لكل صنعة صانع فلا بد للسماوات والأَرض من منشئ صانع له القدرة الكاملة، والإِرادة النافذة والعلم المحيط.
وجاءَ هذا الاستنكار والاحتجاج في محاجة الأَنبياءِ جميعا، فكل رسول من الرسل جعل نصب عينيه توجيه أُمته إِلى التفكر والتدبر في السماوات والأَرض، والتبصر في أَسرارهما، ليتعرفوا بذلك وجود الخالق سبحانه وتعالى ووحدانيته، واتصافه بكل كمال وتنزهه عن كل نقص.
ويجوز أَن يكون المعنى: أَفى أُلوهية الله وتفرده بوجوب العبادة شك .. ؟ وهو الخالق لجميع الأَرض والسماوات المدبر لأُمورها، فلا يستحق العبادة أَحد سواه.
وربما كان هذا المعنى أَولى، فإِن أَغلب الأُمم كانت تقر بوجود الخالق المدبر ولكنها، كانت تعبد معه غيره من الوسائط التي زعموا أَنها تقربهم إِلى الله زلفى، ثم قالت لهم رسلهم: (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى): أَي يدعوكم الله إِلى الإِيمان به وبوحدانيته وسائر صفاته وكمالاته، على أَلسنة رسله وشواهد آياته الكونية وكتبه المنزلة، ليخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان وضياء التوحيد، لِيَغْفِرَ لَكمْ بعض الذنوب، ويمحو عنكم بعض ما اقترفتموه من الآثام، وهى التي تتعلق بحقوق الله وحده. وفي ذلك يقول تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ).
أَما حقوق العباد فإِن الله سبحانه وتعالى لا يعفو عنها إِلا برضا أَصحابها وعفوهم عنها، ولهذا عبر في الآية بِمِنْ في قوله: "يَغْفِرْ لَكَمْ مِّنْ ذُنُوبِكُمْ". فإِنها أَفادت التبعيض وهذا البعض الذي يغفر هو ما يتعلق بحق الله تعالى، فإِن حق الله تعالى مبنى على المسامحة بمقتضى هذا الوعد الكريم. أَما حقوق العباد فإِنها مبنية على المطالبة والمؤَاخذة، وكما يدعوكم الله إِلى الإِيمان ليغفر لكم من ذنوبكم، يدعوكم أَيضا إِلى الإِيمان لفائدة أَخرى، وهي أَن لا يستأْصلكم بالعذاب كما استأصل الكافرين قبلكم، بل يبقيكم تتمتعون في دنياكم حتى الأَجل الذي