القوى والضعيف والغنى والفقير، مع ما فيها من الترخيص لأصحاب الأعذار بالرخص الكثيرة، كإِسقاط الحجِ عن فاقد الاستطاعة، والصوم عن الحائض والنفساء والشيخ الفاني، وغير ذلك كثير.
ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن بعض الصحابة نذر أن يصوم ولا يفطر ويقوم الليل عابدًا ولا ينام، ولا يتزوج النساء, خطب في الصحابة ناهيًا عن ذلك وقال: "إنِّي لإخشَاكُم لله وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكنِّى أَصُومُ وأفْطِرْ وأصَلّى وأَرقُد وأتَزَرج النِّسَاء، فَمَن رَغِبَ عَنْ سُنتي فَلَيْسَ مِنِّي" أَخرجه الشيخان.
وكانت عبادته صلى الله عليه وسلم وسطًا لا إِفراط فيها ولا تفريط، مراعاة للطاقة البشرية لأمته، أَخرج مسلم عن جابر بن سمرة قال: "كنْتُ أصَلِّى مع النَّبي صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ، فَكَانَتْ صَلاَتُهُ قَصدًا وَخُطْبَتُهُ قَصدا".
فعلى المسلمين أَن يستقيموا على أَمر الله، فإِن الدين يسر لا عسر، وليعلموا أَن الله مطلع على أعمالهم وعبادتهم ومجازيهم عليها حسب أَدائهم لها، إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر.
113 - {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}:
بعد أَن أَمر الله رسوله والمؤمنين بالاستقامة على أمر الله دون إفراط أو تفريط جاءت هذه الآية ناهية عن الميل إلى الظالمين والتعاون معهم.
والمراد بالظالمين الكافرون، أو كل ظالم ولو كان مسلمًا، والمراد بالركون إليهم محبتهم والاعتماد عليهم، والأخذ بمشورتهم، وقد نهى الله في الآية عن ذلك الركون وتوعد عليه بمساس النار، فإذا كان هذا مآل من يميل إِليهم، فما ظنك بمن يشاركهم في عاداتهم، ويديم معاشرتهم، ويتزييّ بزيهم تقليدًا لهم، ويعاونهم على ظلمهم، لا شك أن عذابه يكون أَشد وأعظم، ولهذا تعتبر الآية أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم والوعيد عليه.
ومما جاء في السنة نهيا عن محبتهم ومعاونتهم قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحبّ قومًا حَشَرَهُ اللهُ في زُمْرتهم" أخرجه الطبراني، وقوله: "مَنْ أعان ظالمًا ليَدْحَضَ بِبَاطِله حقًّا فقدْ بَرئَتْ منْه ذِمَّةُ اللهِ وذِمّةُ رَسُولِه" أخرجه الحاكم، وأَخرج البيهقي في شعب الإيمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ دَعَا لِظَالم بالبَقَاءَ فقدْ أحب أنْ يُعْصَى اللهُ في أرضه".