{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}
التفسير
99 - {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا .... } الآية.
كان - صلى الله عليه وسلم - لفرط شفقته على أمته حريصا أَشد الحرص على إِيمان الناس جميعًا، وللوصول إلى تلك الغاية حمل نفسه أَعباء ثقيلة، ومتاعب جسيمة، فخفف الله عنه، ببيان أَنه ليس مكلفًا بإكراه الناس على الإِيمان، وحملهم جميعًا عليه، فليس عليه إلا البلاغ وقد فعل، وحسبه التبليغ الذي لا يرهقه، فإن الهداية من الله.
والمعنى: ولو شاء ربك أَيها الرسول إيمان من في الأرض جميعًا من الجن والإِنس لآمنوا كلهم لا يشذ منهم أحد، لكن مشيئته - تعالى - الموافقة لحكمته البالغة اقتضت أن يكون الناس فريقين: فريقا شاءَ الله إيمانه فيؤمن لا محالة وهم الذين اختاروا الهدى فيوفقهم الله - تعالى - إِليه، وفريقًا شاء الله كفره لسوءِ نيته فيكفر لا محالة.
{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}: أَي أَفَأَنت مطلوب منك أَن تكره الناس علي دينك حتى يصيروا مؤمنين به؟ كلاّ. فاشفق على نفسك فما عليك إِلا البلاغ، {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} (?) ولا تُحَمِّل نفسك المصاعب والمشاق، بالمبالغة في دعوة المعاندين المستكبرين {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (?).