لله تعالى - وحده - وبهذا الاعتراف أبطل ما كان يقوله استعلاءً وتجبرا: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} وقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}.

فأنت تراه في اعترافاته هذه قد بالغ في إعلان إيمانه حيث كرره بثلاث عبارات:

1 - {آمَنْتُ}.

2 - {أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ}.

3 - {وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.

وقد حدث منه كل ذلك طمعا في النجاة مما نزل به، وليت شيئا من ذلك كان منه حين ينفعه الإيمان - وذلك قبل اليأْس من الحياة، لأن تأْخير الإيمان إِلى وقت العقاب لا ينجى صاحبه، وقد دلت على ذلك الآية التالية:

91 - {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}: أَي أَتؤمن الآن حين لا ينفع نفسا إيمانها، وقد أَمضيت عمرك في المعصية، وكنت من الملازمين للإفساد في الأرض، أفلا قدمت إِيمانك، وأَجبت داعى ربك، وأَنت في فسحة من الأجل حين كان ينفعك إيمانك؟ ولكنك ندمت وآمنت بعد فوات الأَوان، فلم ينفعك الإيمان، كما قال تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} (?). روى الإِمام أَحمد والترمذي وابن ماجه - رضى الله عنهم - أَن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِن الله يقبلُ توبةَ العبدِ ما لمْ يُغَرْغرْ" والغرغرة حشرجة الموت وقال تعالى -: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (?).

92 - {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}:

بعد أن أَنكرت الآية السابقة على فرعون تأخير الإيمان بلا عذر إلى أَن حضره الهلاك، جاءَت هذه الآية لبيان خيبة أَمله وقطع رجائه وللسخرية منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015