قصورهم في التفكير، وجهلهم بحقيقة الوحى والنبوة، وقد كان أَكثر رسل الله خفاف الحال في شئون الدنيا، ثقال الموازين في الشرف وطيب المحتد، وكان صلى الله عليه وسلم واسطة عقدهم في جلائل الأَخلاق وشرف المنبع، فقد كان من أَعز أرومة في الجزيرة العربية والآية تنكر عليهم عجبهم من أَن يكون الرسول بشرا.

والمعنى: لا يصح لهؤلاءِ الناس أَن يتعجبوا من أننا أَوحينا إلى رجل منهم، أن ينذر الناس ويخوفهم عقاب الله إن عصوه وكفروا به، ويبشر الذين آمنوا برسالته، وعملوا الصالحات بأَن لهم سابقة محققة في الفضل وحسن الجزاءِ عند ربهم، فالنبوة للبشر لا للملائكة، كما تشهد به الكتب السماوية والتفاوت بين الناس ليس بالمال، ولا بالزعامة بل بالعقل والكمال والاستقامة، ورب رجل في أَعلى عليين بعقله وفضله، وآخر في أَسفل سافلين بجهله وحمقه، فما لهؤلاء المشركين ينكرون نُبُوةَ البشر ويطلبون رسلا من الملائكة، مع أنهم يستسيغون أُلوهية الحجر، {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}.

وسميت سابقة الفضل قَدَمًا؛ لأَن السبق غالبا يكون بالقدم، فهي التي يسعى بها المؤمن إِلى الصالحات، في أَكثر الحالات، كما سميت النعمة يدا لأَنها تعطى باليد غالبا.

وأَضيفت القدم إِلى الصدق للإيذان بأَنهم ينالونها بصدق القول والعمل والنية {قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ}:

أي قال الكافرون إِن محمدا لساحر ظاهر السحر، والآية تشير إلى أن الرسول لم تقصر معجزاته على القرآن الذي هو أَقوى معجزاته، بل أَظهر لهم خوارق ومعجزات أُخرى غير القرآن الكريم، فوصفوه لهذا كله بأَنه ساحر مبين، وقد كذبوا فيما زعموه، فما هي إِلا آيات الحق المبين:

وكيف يترك الله ساحرا متقولًا علي الله ولا ينتقم منه، وصدق الله إِذ يقول {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015