من المسلمين المخلصين من غير شك ولا نفاق، وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أُمية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأَصحابه، لا تكلمُن أَحدا من هؤلاءِ الثلاثة - لأَنهم لم يقدموا عذرا عن تخلفهم - وأَتاه من تخلف من المنافقين، فجعلوا يحلفون له ويعتذرون، فصفح عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معاملة لهم بظاهرهم، واعتزل المسلمون أُولئك النفر الثلاثة، ثم نزلت هذه الآية معلنة قبول توبتهم وعفو الله عنهم.
والمعنى: وتاب الله أَيضا على هؤلاءِ الثلاثة الذين أَخر قبول توبتهم، إِلى أَن ضاقت عليهم الأَرض مع سعتها ورحابتها، من شدة الأَمر عليهم، والحيرة التي حلت بهم، كأنهم لا يجدون في الأَرض مكانا يستقرون فيه ويطمئنون إليه، لشدة حزنهم وقلقهم، وكذلك ضاقت عليهم أَنفسهم، بسبب إعراض الناس عنهم، وتأَخر قبول توبتهم، واعتقدوا أَن لا عاصم ولا منجى من سخط الله وعقابه، إلا الرجوع إِليه، وطلب الغفران منه.
(ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ):
أَي ثم أَنزل الله قبول التوبة منهم، ليصيروا في جملة التوابين، وليستمروا ويثبتوا على توبتهم، إِن الله تعالى كثير التوبة والعفو عن عباده إن تابوا ولم يصروا على ما فعلوا، عظيم الرحمة بقبول توبتهم وإن كثرت ذنوبهم مع استحقاقهم لأَنواع العقوبات.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)}
التفسير
لما تاب الله على هؤلاء الثلاثة، لصدقهم في القول وإِخلاصهم في التوبة، وبعدهم عن النفاق، أَمر الله المؤمنين أَن يتقوا الله ويكونوا مع الصادقين، ويبتعدوا عن النفاق والمنافقين وفي جملة من أُمروا هؤلاءِ الثلاثة.