والمراد أَنهم لم يوفوا بما وعدوا الله به من الصدق والصلاح. {سِرَّهُمْ}: أَي ما انطوت عليه قلوبهم من النفاق. {نَجْوَاهُمْ}: أَي ما تحدثوا به علنا فيما بينهم بعيدا عن المؤمنين.
التفسير
بعد أَن بين القرآن الكريم فيما سبق طائفة من جرائم جماعات من المنافقين جاءَت هذه الآيات تحكى قبائح خاصة بفريق منهم. روى أَن ثعلبة بن حاطب أَتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ادع الله أَن يرزقنى مالا، فقال عليه الصلاة والسلام: "يَا ثَعْلَبَةُ قَلِيلٌ تؤَدِّى حَقَّهُ، خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لا تُطِيقُهُ" فراجعه وقال: والذي بعثك بالحق لئن رزقنى الله مالًا لأُعطين كل ذى حق حقة، فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتخذ غنما فنمت وكثرت حتى ضاقت بها المدينة، فنزل واديًا وانقطع عن الجماعة والجمعة فسأَل عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل،: كثر ماله حتى لا يسعه وادٍ فقال: يا ويح ثعلبة، ثم بعث اثنين ممن يعملون في جمع الصدقات فاستقبلهما الناس بصدقاتهم ومرا بثعلبة فسأَلاه الصدقة وأَقرآه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي فيه الفرائض فقال: ما هذه إِلا جزية ما هذه إِلا أُخت الجزية، فارجعا حتى أَرى رأْيى، فنزلت فيه وفي أَمثاله من المنافقين تلك الآيات.
75 - {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ... } الآية.
أَي ومن المنافقين من أقسم وأعطى العهد لله قائلا: والله لئِن أعطانا الله من واسع رزقه ومزيد خيره، لنتصدقن على الفقراءِ وعلى من يستحقون الصدقة، ولنكونن في عداد الصالحين الذين يقيمون حدود الله، فنعمل في أَموالنا ما يعمله أَهل الصلاح في أموالهم من الإِنفاق في سبيل الله وسائر وجوه البر والخير وصلة الأَرحام.
76 - {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}:
أَي فلما حقق الله لهم ما سأَلوه وأَعطاهم من واسع فضله ما كثرت به أَرزاقهم ضنوا بما أَنعم الله بهِ عليهم، ومنعوا حق الله فيه فلم يعطوا منه لأَهل الاستحقاق شيئا.