وقد أَنزل الله بعد ذلك الإذن بقتالهم، في قوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (?)، كما أَذن بإجلائهم.

وفي التعبير بقوله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ... } الخ، للذان بأن منهم من لم يتمن ارتداد المؤمنين عن الإيمان, وهم الذين آمنوا من اليهود، كزيد بن سعنة وعبد الله ابن سلام.

110 - {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ... } الآية.

بعد أن أَمر الله المؤمنين بمداراة أهل الكتاب- بالصبر على حسدهم وعلى ثمنيهم ارتدادهم عن الإيمان, وبالعفو والصفح عنهم؛ حتى يأْذن الله بأن ينتقموا منهم- أمرهم باللجوءِ إليه تعالى بالعبادة، تكميلا لأنفسهم واشتغالا بها عنهم، وتوسلا بها لنصره لهم فقال:

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} أي: أدوها كاملة الأركان والشروط، مستوفية لهيئات. {وَآتُوا الزَّكَاةَ}

أي: أعطوها لمستحقيها من الأصناف الثمانية المجتمعة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (?).

{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ} مهما كان نوعه {تَجِدُوهُ} أي: تجدوا ثوابه يوم القيامة {عِندَ اللهِ} تعالى: فيما أعده في جنته للمحسنين. وقد أعد لهم ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

وفي قوله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ}، إِيذان بأن الخير الذي تعطيه لأخيك المسلم كأنما تقدمه لنفسك؛ لأن المجتمع الإسلاى كالجسد الواحد.

{إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}: فلا يضيع عنده عمل العاملين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015