قال عليه الصلاة والسلام: "إِنَّمَا الطَّاعَةُ في الْمَعْرُوفِ" والمعروف مأْمور به في العبادات والمعاملات، ومنها المبايعات وأَحكام النكاح، ولأَن المعروف هو شريعة الله للناس، وعليه يتوقف إِصلاح حالهم في الدنيا والآخرة جاءَ القرآن الكريم مقررا له في آيات كثيرة، من ذلك: ما حكاه عن التوراة والإِنجيل من وصف النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذلك في قوله:
{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ}، وما جاءَ في قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، وفي مبايعة النساء: {وَلَا يَعْصِينَكَ في مَعْرُوفٍ} وفي معاشرتهن بالمعروف، وفي ولاية المؤمنين بعضهم لبعض: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.
ولما كان الأَمر بالمعروف قد يؤدى إِلى سفاهة بعض الجاهلين وإِيذائهم للنبي - عليه السلام - أمره الله تعالى بالتسامح في قوله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}: أَي وأَعرض عن سفاهة الجاهلين الناشئة عن حقدهم وحسدهم، وجهلهم، واترك مؤاخذتهم بمثل سفههم، فقد يؤثر الحلم والعفو في السفيه فيرجع إِلى الصواب ويلوم نفسه.
ولقد كان لحلمه - صلى الله عليه وسلم - وإِعراضه عما يسوءه من قومه أثر كبير في إِسلام من كان يسفّه ويعارض، بعد أَن لمسوا منه - صلى الله عليه وسلم -، هذا الخلق الكريم، قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّمَا بُعِثْتُ لأِتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ" وإِنما يحسن العفو إِذا لم يؤد إِلى تعطيل ما شرعه الله.
{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)}.