ومما يدل على استبعاد وقوع الشرك من آدم وحواءَ أَنفسهما قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} فإِنه يدل على أَن الذين وقع منهم الشرك جماعة أَكثر من اثنين، وكذلك قوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}.
{فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}: أَي فَعَلا مقام الله وارتفع، وسما قدره وتنزه اسمه عمَّا يشركه معه هؤلاء الأَغبياء، ويسوونهم به في إِطلاق اسم الله عليهم ومن أوثانهم، حيث اعتبروها شريكة الله في الولد الذي أَتاهما.
ولصاحب الانتصاف تأويل في الآية قال: وأسلم الأَقوال أَن يكون المراد بالتثنية جنس الذكر والأنثى من غير قصد إِلى معين بالشخص، فكأَنه قال جل شأنه، خلقكم جنسا واحدًا، وجعل أزواجكم منكم أيضًا لتسكنوا إِليهن، فلما تغشى الجنس الذي هو الذكر الجنس الذي هو الأنثى وقع من هذين الجنسين ما قد كان من شركَ، وكَيْتُ وكَيْتُ، فالتثنية في قوله: {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ} مراد بها الجنسان من ذكر وأنثى وليس المراد خصوص آدم وحواء اهـ وهذا التأْويل هو الذي نرتضيه ويشبه ما قلناه أولا.
ثَم بيَّن الله بعد هذا جهلهم وسخافة عقولهم، وفساد آرائهم بهذا الشرك فقال تعالى:
{أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)}.
المفردات:
{صَامِتُونَ}: تاركون دعوتهم.