وفي إِخفاء أَمر الساعة حمل للمكلفين على العمل والجد في الطاعة قبل أَن تأْتيهم بغتة، إذ لو علموا وقتها لأَهملوا واستمروا في لهوهم وعصيانهم إلى أَن يقترب وقتها فيتوبوا وقد لا يستطيعون ذلك لمفاجأة الموت لهم أَو لتمكن عادة العصيان في نفوسهم، ومن هذا القبيل إِخفاءُ وقت الموت، وإِخفاء قبول الدعاء، وإِخفاء ليلة القدر، ليظل المكلف مقيما على عبادة الله تعالى وطاعته، وقد استأْثر الله بعلم الساعة لمصلحة المكلفين كما فهم مما تقدم، غير أَنه ورد في "السُّنَّةِ" ذكر علامات تدل على قرب وقوعها منها ضياع الأَمانة.
{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)}.
المفردات:
{نَذِيرٌ}: منذر بوعيد الله للعصاة والكافرين.
{وَبَشِيرٌ}: ومبشر بوعد الله لكل من يؤمن بالله.
التفسير
188 - {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ .... } الآية: أَي قل يا محمَّد لهؤلاء الذين يسأَلونك عن وقت مجىء الساعة لا أَملك جلب نفع لنفسى ولا دفع ضر عنها، {إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ}: أَي إلا الشىء الذي أراد الله تعالى تمكينى من فعله، فإنى أَقدر عليه وأَستطيعه باختيارى إِياه، وبهذا الاستثناء لا يقال: كيف لا يملك الإنسان لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، مع مشاهدته. يفعل ما يصلح شأنه، ويبتعد عما يضره؟ {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}: أَي ولو كنت أَعلم الغيب، والمناسبات التي تربط بين الأَشياءِ، ويصح بها ترتيب المسببات على أَسبابها لحصلت كثيرًا من الخير الذي ينفعنى ويمكن للإِنسان تحصيله بأَفعاله الاختيارية، وفي هذا القول الكريم برهان واضح