هؤلاء المكذبين وأَمدّ لهم في حبل النعم. {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}: أَي إِن انتقامى للممستدرَجين قوى لا يدافع, وسمّى الانتقام كيدًا لأَن فيه أَخذ الظالمين المكذبين وعقابهم على خلاف ما كانوا يظنون، فقد كانوا مغرورين بتوالى العطاء، ويظنونه لطفًا بهم وإِكرامًا لهم، ليكون العقاب شديدًا ومضاعفا عند المفاجأَة، وتلك نتيجة الغفلة عن الله، فيكون الجزاء من جنس العمل حيث يأْتيه على حين غفلة منه فينزل به بأْس الله {بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}. أَي في الوقتين اللذين هما مظنة الراحة والأَمن والطمأْنينة.
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ في طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)}.
المفردات:
{جِنَّةٍ}: بكسر الجيم جنون، {مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: أَي العوالم التي اشتملت عليها السموات والأَرض {يَذَرُهُمْ}: يتركهم، {يَعْمَهُونَ}: يتحيرون.
التفسير
بعد أَن بين القرآن الكريم تكذيبهم بالآيات التي جاءَت بها الرسل لهدايتهم، شرع ينكر عليهم عدم تدبرهم في رسالة الرسول مع قيام الأَدلة على صحة رسالته وسلامة عقله فقال تعالى:
184 - {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ... } الآية: أَي أَغفلوا عما امتاز به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينهم من رجاحة العقل، وصدق القول، والأَمانة الكاملة