فقد أَخرج الإِمام مسلم - بسنده - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "واللهِ لَوْلَا دعوة أَخى سليمان لأصبحَ موثقًا يَلعبُ بهِ وِلدانُ أهلِ الدينةِ " ودعوة سليمان هي قوله:
" قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِى لِأحَدٍ من بَعْدِىَ" (?).
وخرّج البخاري عن أبي هريرة قال: "وكلنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِحفظ زكاة رمضان" وحكى قصة طويلة ذكر فيها أَنه أخذ الجنىَّ الذي كان يأْخذ التمر، وأَن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "ما صنع أَسيرُك البارحةَ" (?)؟
أمَّا ما ورد عن الإمام الشافعى من أنه قال: مَنْ زَعم أَنَّه رآهم رُدَّت شهادتُه وعُزِّرَ؛ لمخالفة القرآن؛ فمحمول على مَنْ زعم رؤيتهم على صورتهم الحقيقية، وهم متشكلون - يقول بها أَهل السّنة، والشافعى من خيارهم.
وأما القول بأَن رؤيتهم متشكلين، يرفع الثقة بحقائق الأشياءِ، فيجاب عنه: بأَن الله تعالى، كَفَل - لهذهِ الأمة - أَن يرفع عنها مثل ذلك، لاستلزامه الرِّيبة في الدين، ررفع الثقة بالعلماء، لاحتمال أن يكونوا متشكلين من الجن. فاستحال - شرعا - الاستلزام المذكور.
وأما استحالة رؤيتهم لِلَطافَتهم، وأن الله لم يقدر العيون على رؤيتهم بهذه اللطافة إِذا ظهروا على حقيقتهم - فيجاب عنه: بأَن ذلك مُسَلَّم، فيما عدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إِذ لا مانع أن يخلق الله في بصره - عليه السلام - قوَّة يقدر بها على رؤيتهم على حقيقتهم، كما أقدره على رؤية جبريل على صورته الحقيقية.
وقد عمّ الناسَ - قديما وحديثا - القول برؤيتهم متشكلين، وأَصبح هذا حقيقة واقعة معترفا بها في جميع أَنحاءِ العالم.
والآية الكريمة مؤولة بأنها لتمثيل دقيق مكرهم وخَفِىِّ حيلهم. وليس المقصود بها نفى رؤيتهم حقيقة.