وتوفيقا بين هاتين الآيتين، نقول: إِنهم أُمروا بالسجود له مرتين.
الأُولى منهما: قبل خلقه، وكان الأَمر فيها معلقا على تسويته ونفخ الروح فيه.
والثانية منهما، بعد تمام خلقه، وكان الأَمر فيها منجزا. والله أَعلم.
والملائكة - عند جمهور المتكلمين - أجسام لطيفة، قادرة على التشكل بأَشكال مختلفة، بدليل رؤْية الرسل إِياهم كذلك.
واختلف فيمن أُمِر منهم بالسجود لآدم، فقيل: ملائكة الأَرض. وقيل: جميع الملائكة. وهو رأى أَكثر الصحابة والتابعين.
والسجود في اللغة: الخضوع والتطامن .. وفي الشرع: وضع الجبهة على الأرض بقصد العبادة.
وليس في الآية ما يدل على أن السجود مِن النوع الثاني .. فلهذا يحمل على النوع الأول، لخصوص السجود الشرعى بالله تعالي.
وقد أمِروا بهذا السجود، أَي بالخضوع لآدم على الوجه المناسب، تحيَّة له وتعظيما واعترافا بفضله. فقد أنبأَهم بأَسماء كل المسميات وخواصها، بعد أَن علَّمه الله إِيَّاها، حين عجزوا عن إِنباءِ الله بها، وقالوا: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} (?).
وقيل: المعنى؛ اسجدوا لله، لأجل آدم وخلقه البديع، الذي التقى فيه العالم الرُّوحى والعالم الجسدى، وتكون اللام - على هذا - في قوله (لآدَمَ) للتعليل.
كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ... } (?) أَي لأَجل زوالها عن وسط السماء.
{فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ}:
قيل في استثناء إِبليس من الملائكة، إِنه استثناءُ متصل، فإنه - وإن كان من الجن - لقوله تعالى: {كَانَ مِنَ الجِنِّ} إِلاَّ أَنه لما كان مندمجًا مع الملائكة، يعبد عبادتهم، عُدَّ منهم.
كالرجلِ يقيمُ في قبيلة أُخرى غير قبيلته، فيعّدُ منها.
وقيل هو استثناءٌ منقطع ...