والمعنى: يخاطب الله الجن والإِنس - يوم القيامة - موبخا، فيقول: يا جماعة الجن والإِنس، أَلم يأْتكم رسلٌ من بينكم: تعرفون صدقهم وأمانتهم، وتفهمون قولهم، وليسوا غرباءَ عنكم، حتى تنكروا عليهم ما جاءُوكم به ... وهؤلاءِ الرسل كانوا يتلون عليكم آياتى ويُخَوفونَكم لقائى في يومكم هذا؟!
{قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ}:
أَي: قال كفار الجن والإِنس - بعد ما سمعوا توبيخ الله لهم - شهدنا على أَنفسنا بأَن رسل الله جاءُونا، فلم نؤمن بهم، ولم نصدق قولهم.
وقد بيَّن الله سبحانه السرّ، فيها اندفعوا إِليه من الكفر والمعاصي ... والمعنى: وخدعتهم الحياة الدنيا فاطمأَنوا إِليها، ورفضوا العمل للآخرة. ذلك الذي دعاهم الرسل إِليه، وشهدوا على أنفسهم في الآخرة - أَسفًا وندما - أنهم كانوا في الذنيا كافرين .... فلذا استحقوا توبيخ الله وعقابه.
131 - {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ}:
الإِشارة في قوله: {ذَلِكَ} راجعة إِلى ما تقدم ذكره. من بعثة الرسل إِليهم، وإِنذارهم سوءَ العاقبة.
والمعنى: ذلك الذي تقدم من إِرسال الرسل: كان لأَن سنة الله تعالى: أَلا يُهْلِكَ قوما وهم غافلون عن سوءِ عاقبة ما هم عليه من الكفر .. فلذا، بعث إِليهم الرسل لِيُبصِّرُوهم وينذروهم، حتى يقطعوا أَعذارهم.
وفي ذلك يقول الله تعالى: { ... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (?)، ويقول سبحانه: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} (?).