وإليه أشار النبي - صلى الله عليه وسلم -، حين سُئِلَ عن هداية الله تعالى حيث قال: "نُورٌ يَقْذِفُهُ اللهُ في قَلْبِ الْمُؤْمِن فَيَنْشَرِحُ لَهُ وَيَنْفَتِحُ" فقالوا: هل لذلك من أَمارة يُعرف بها؟ فقال: "نَعَمْ. الْإِنَابَةُ إلَى دَارِ الْخُلُودِ، وَالإِعْرَاضُ عَن دَارِ الْغُرُورِ وَالاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْل نَزُولِهِ" (?).

والمعنى: فمن يرد الله أن يهديه للحق ويعينه عليه، يشرح صدره ويهيىء نفسه لقبول الإِسلام، لما علمه من حسن استعداده له، وسعيه في قبوله. ومن يرد أَن يضله ويبعده عن الحق، يجعلْ صدره ضيقا شديد الضيق؛ لتمسكه بضلاله: لا يبغى به بديلا.

وقد وَصف الله تَبَرُّمَ الضالِّ عن الحق وضيقه به، أَبلغ وصف، حيث قال تعالى: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}.

ولا شك أَن تكلُّفَ الصعود في المراقى الصعبة، يثقل على القلب، ويجهد الصدر أَيما إجهاد. فكان شأْن الكافر المصرِّ - في صعوبة تقبله للإِسلام - كشأْن هذا الذي يتكلف الصعود في المراقى الصعبة في ضيق صدره وحرجه. (?)

{كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}:

أَي: كما جعل الله صدر أُولئك المشركين ضيقا عن قبول الإِسلام حيث تخلى عن معونتهم. وتركهم للشيطان: يضلهم ويقويهم يسبب إِصرارهم ... يفعل مثل ذلك في أمثالهم: الذين لا يؤْمنون، ويصرون على الكفر، فيترك الشيطان مسلطا عليهم، ولا يلطف بهم. والعياذ بالله تعالى.

وخلاصة الآية: أَن من تقرب إِلى الله سبحانه أَعانه، ومن بَعُدَ عنه خذله.

126 - {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}:

أي: وَهذا القرآن، المشتمل على الآيات المفصلة لعقائد الإِسلام وشرائعه، هو طريق ربك الموصل إلى مرضاته: مستقيما لا عوج فيه - قد بينا آياته مفصلة لقوم يتذكرون بمواعظه، ويزدجرون بزواجره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015