والمعنى: قل لهم يا محمد: أَيصح أَن أَطلب غير الله حكمًا يفصل بيني وبينكم، فَيُظهِرَ بَاطلَكم الذي اعتمدتم فيه على زخارف الشياطين، ويُبيِّنَ الحق الذي جئتكم به مؤيدا بالبراهين، وهو - سبحانه - الذي أَنزل إليكم القرآن مفصلا ومبينا فيه الحق والباطل .. ولا حَكَمَ خيرٌ منه!!

{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}:

والذين آتيناهم الكتاب - من علماءِ اليهود والنصارى - يعلمون أَن القرآن هو الحق من ربهم، بما جاءَ في كتبهم من التنويه به، والنصِّ على رسالة محمَّد الذي جاءَ به: اسما ونعتا، وإِن كفروا به وكتموه: { ... حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ .. } (?).

وَمَنْ هذا شأْنه، فكيف أَعدِلُ عن حكومته - في كتابه الفصل - إلى حكومة غيره: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} (?).

وقيل: المراد من الذين أُوتوا الكتاب - مَنْ آمَنَ بالرسول من علمائهم. فلذلك استشهد الله بهم، لأَنهم لا يكتمون مَا عَلمُوه في شأنه من كتبهم، فإِنه هو الذي حدا بهم إِلى تصديقه، وترك ما كانوا عليه من دينهم.

{فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}:

الخطاب - هنا - لكل أَحد. على معنى أَن الأَدلة على كون القرآن منزلا بالحق - من الله سبحانه وتعالى - قد بلغت من الوضوح والقوة، بحيث لا تترك مجالا للافتراءِ والشك فيها من أحد من العقلاءِ.

فكأَنه يقول: فلا تكونن - أَيها العاقل - من المتشككين في كون القرآن منزلا من ربك بالحق، وأنه هو الحَكَمُ بين الرسول وبين الكافرين.

115 - {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

المراد بِـ (كَلِمَة رَبِّكَ): القرآن الكريم. والمفرد إذا أَضيف: يعم، فكأَنه قيل: {كَلِمَاتُ رَبِّكَ} وبها قرىء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015