{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ}:
أي ولو ترى - أَيها التأَمل - هؤُلاءِ المعاندين المكذبين - وقد حبسوا على ما يكون من قضاء ربهم فيهم - لَهَاَلكَ أَمرُهم، ولرأَيت ما لا يحيط به نطاق الكلام. وجعلهم موقوفين على ربهم؛ لأَن من تَقِفُهم الملائكه وتحبسهم في موقف الحساب، امتثالا لأَمر الله فيهم كما قال: "وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ" (?) يكون أَمرهم مقصورا على الله حيث لا سلطان فيه لغيره عَزَّ وَجَلَّ {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} (?). فهم وقد انتهى بهم المطاف إلى ما لا يحيط به الوصف لن يقتصر أَمرهم على ما هم فيه من بلاءٍ وعناءٍ بل يُسأَلون سؤَال تأَنيب وتبكيت.
{عَلَى رَبَّهِمْ}: (عَلَى) هنا؛ بتقدير مضاف، أَي وقفوا على تعذيب ربهم، وما أَعدَّ لهم. {قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ}: القائل هو الله تعالى أَي أَليس هذا الجزاءُ - وما أَنتم فيه - هو الحق الذي كنتم به تُكَذِّبون؟
وفي حسره أَليمة وندم شديد:
{قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا}:
أَي قالوا: أَي ما نحن فيه من الشدائد والأَهوال، حق نستحقه، ولا شك فيه.
وهكذا كان جوابهم ... اعترافًا مؤَكدًا - باليمين - بما أَنكروه في الدنيا.
وبذلك شهدوا على أَنفسهم أَنهم كانوا كافرين.
{قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}:
أَي فباشروا العذاب، وانغمسوا في آلامه وأَهواله، بسبب كفركم الذي كنتم عليه مُصِرِّينَ عليه، دائبين فيه.
وفي المشهد السابق {وُقِفُوا عَلَى النَّارِ}: وهنا وقفوا على غضب ربهم، ما يدل على أَن غضب الله، آلم من نار جهنم، فلو لم يكُن منه إلا حِرْمَانُهم من رؤيته والتمتع برضوانه، لكفى.