والآية قدمت الوعيد بالعقاب على الوعد بالغفران والرحمة، ليدرك الناس مبلغ خطورة الذنب. كيلا يُقدِموا عليه. فإن أَقدموا عليه - جهلا - سارعوا إلى المتاب منه؛ ندما واستغفارا، ليكونوا أَهلا لمغفرة الله ورحمته.
99 - {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ}:
أَي: ليس على الرسول إِلا أَن يبلغ ما أُنزِل إِليهِ من ربه. وقد أدى عليه الصلاة والسلام رساله ربه كاملة. فبشر وأَنذر، وأَعلن ذلك في حجة الوداع. وقال: "ألَا لِيُبلِّغ الشَّاهِدَ الغائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوعى لَهُ مِن بَعْضِ مَن سَمِعَهُ، أَلَا هَل بَلَّغْت؟ أَلا هَل بَلَّغت .. ؟ " (?)
والله سبحانه وتعالى، يعلم ما تُظْهرون وما تُخفُون من طاعة ومعصية، فَيحَاسِبُكم عليه, ويجازيكم به، إِن خيرًا فخير. وإِن شَرًّا فشر.
100 - {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} الآية.
المراد من الخبيث: ما يَعُمُّ الردئَ والحرامَ. والمراد مِن الطيب: ما يعم الجيدَ والحلال.
وقد أَمر الله الرسول - صلى الله عليه وسلم -: أَن يبلغ أُمَّتَه هذه القاعدة العامة التي لا يمارى فيها العقلاءُ. وهى أَنه: لا يستوى الخبيث والطيب , ولو كان الخبيث كثيرا والطيب قليلا.
قليلا.
فالطيب: من كل شئٍ - راجح محمود وإن قل. والخبيث: مرجوح مرذول، وإِن كثر!!
وإن كان الأَمر كذلك, فلا يعقل أن يتقبل الله الخبيث - مهما كثر - ويدع الطيب وإن كان قليلا. فإن اللهَ طَيِّبٌ - لا يقبل إِلا طَّيبًا. ولذا، عقبه بقوله:
{فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}:
أَي: اجعلوا لأَنفسكم وقاية من عقاب الله، يا أصحاب العقول السليمة، بفعل الطيب من الأعمال وترك خبيثها؛ لكي تفوزوا برضوان الله، وتنجوا من غضبه وعقابِه.