أن يوغروا صدره، ويوقعوا بينه وبين المهاجرين، من المؤمنين: بأنهم ما جاءُوا إِلا ليفسدوا عليه قومه.
ولكنه لم يستجب لهم وأكرم المسلمين.
ثم بين سبحانه وتعالى، سبب مودة النصارى للمؤمنين بقوله:
{ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}:
وقد تضمن ذلك وصفهم بأن فيهم العلم والعبادة، والتواضع والزهد.
فسبب مودة النصارى ومحبتهم للمؤمنين: أن منهم قسيسين يتولون رعاياهم بالتعليمِ الديني، ويتعهدونهم بتهذيب الأخلاق، ويربونهم على الآداب والفضائل.
كما أن منهم - كذلك - رهبانا: عُبَّادًا يضربون لهم المُثُلَ في الزهد، والإِعراضِ عن زخرف الدنيا وزينتها، ويُكثِرُون في نفوسهم الخوف من الله تعالى ومراقبته، والإنقطاع للتبتل والعبادة.
كما أَن من أسباب مودتهم للمسلمين: التواضع، وأنهم لا يستكبرون عن الخضوع والإِذعان للحق، متى ظهر لهم.
83 - {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ... } الآية.
قيل: إِنه كلام مستأْنف. وقيل: إِنه معطوف على قوله: {وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}.
فهذه الآية متصلة بما قبلها.
والمعنى: ولتجدن أقربهم مودة للمؤمنين، أُولئك الذين قالوا إِنا نصارى: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} وَأَنَّهم: {إِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} عند سماع القرآن وهم الذين استجابوا للإِسلام فآمنوا عندما سمعوا القرآن، لِما عرفوا من الحق، الذي جاءَ في كتابهم عن محمَّد صلى الله عليه وسلم، وعن دينه.