وقد يقال: إن الله قادر على أن يمنحهم الماء بدون ضرب الحجر. بالعصا، فلماذا لم يفعل؟.

والجواب: أن الله تعالى، أراد أن يبين لهم كرامة نبيهم موسى على الله تعالى، ويؤَكد لهم نبوته: بإجراءِ تلك المعجزة على يديه، بمجرد ضربه الحجر بعصاه، حتى يقو ى إيمانهم بنبوته، التي يتشككون فيها من آن لآخر.

وقد مرَّ قريبا أنهم قالوا له: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} كما أن فيها تثبيت إيمانهم

باللهِ، لأنه إيمات يتزلزل هن آن لآخر. فقد مرَّ قريبًا: أنهم أشرِبوا في قلوبهم حبَّ عبادة

العجل، مع عظيم آيات الله التي مرت بهم، والتي من شأنها أن تصرفهم عن الكفر به. ومن أقواها:

شقه البحر لهم، وعبورهم إلى سيناء - في طرق يابسة- بين حوائط من ماء.

{قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ}: أي قد علم كل ناس من الأسباط، محل شربهم من تلك العيون. فقد خصص لكل سبط منهم عين، حتى لا يحدث خلاف بينهم على الماء، فهم أهل خلاف وشقاق.

{كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ} أي قلنا لهم: كلوا المن والسلوى، واشربوا من رزق الله الذي تفضل به، فجمع لكم بين النعمتين المتلازمتين، بحيث تحصلون عليهما في يسر وسهولة، وذلك من أجلّ النعم وأعظمها.

وقوله: {مِنْ رِّزْقِ اللَّهِ}: إشارة إلى أن الأكل والشرب نعمة متمحضة من جانب الله تعالى، لا دخل لعملهم في الحصول عليها.

ثم عقب الأمر بالأكل، والشرب بالنهى عن الفساد، فقال: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}

فإن من شأن النعمة أن تستحثهم على الطاعة والاستجابة للمنعم سبحانه، في نهيه

لهم عن الإفساد في الأرض، فقد هيأ لهم ما يكفهم عنه.

والعثو: الإفساد. فقوله بعد ذلك: {مُفْسِدِينَ} حال مؤكدة، لأن المعنى وأحد لكل من العثو والافساد، ولكن لو نظرنا إلى أصل معنى العثو وهو: مجاوزة الحد مطلقا، فسادا أو غيره، يكون التعبير بلفظ {مُفْسِدِينَ} لتعيين المراد من العثو.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015