ولم يرد عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم - وهم أَحرص الخلق على كل خير - أنه طلب من ميت شيئًا.

بل صح عن ابن عمر رضي الله عنهما، أَنه كان يقول: إذا دخل الحجرة النبوية: "السلام عليك يا رسول الله. السلام عليك يا أَبا بكر. السلام عليك يَا أَبَتِ" ثم ينصرف ولا يزيد على ذلك، ولا يطلب من سيد العالمين صلى الله عليه وسلم أَو من ضَجِيعَيْهِ المُكَرَّميْن - رضي الله عنهما - شيئًا.

ثم قال - رحمه الله -: نَعَمْ، الدعاء في هاتيك الحضرة المكرمة، والروضة المعظمة، أَمر مشروع. فقد كانت الصحابة تدعو هناك: مستقبلين القبلة، ولم يرد عنهم استقبال القبر الشريف عند الدعاء.

ثم قال - بعد كلام طويل في هذا الموضوع وغيره - مستدلا على أن التوسل لا يكون إلا بالأحياءِ ما نصه:

"ففي صحيح البخاري، عن أنس: أَن عمر - رضي الله عنه - كان إذا قَحَطوا استسقى بالعباس - رضي الله عنه - فقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بِنَبِيِّكَ - صلى الله تعالى عليه وسلم - فَتَسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا فاسقنا فَيُسْقوْن".

فإِنه لو كان التوسل به عليه الصلاة والسلام - بعد انتقاله من هذه الدار - جائزا، لما عدلوا إلى غيره، بل كانوا يقولون: اللهم إنا نتوسل إليك بنبينا فاسقنا.

وحاشاهم أن يعدلوا عن التوسل بسيد الناس، إِلى التوسل بعمه العباس، وهم يجدون أَدنى مساغ لذلك.

فعُدُولهم هذا - مع أنهم السابقون الأَولون، وهم أعلم منا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وبحقوق الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام. وما يشرع من الدعاء وما لا يشرع وهم في وقت ضرورة ومخمصة - أي مجاعة - يطلبون تفريج الكربات، وتيسير العسير، وإنزال الغيث بكل طريق - دليلٌ واضح على أن المشروع ما سلكوه دون غيره".

وقد أَطال الآلوسي في هذا الموضوع وما اتصل به، فكتب خمس صفحات تقريبا .. فأرجع إِليه إن شئت (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015