(مُكَلِّبِينَ):
أَي مبالغين في تعليمها، بحيث تُصبح إِذا أُرسِلت استرسلت. وإِذا زُجرت ازدجرت، وإِذا أَمسكت صيدّا لم تأْكل منه شيئًا. وذلك هو ما عناه الله بقوله سبحانه:
(تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ):
أَي: تعلمونهن بعض ما علمكم الله من الحيل في الصيد.
(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ):
أَي: فكلوا من الصيد الذي أمسكته هذه الجوارح عليكم ومن أَجلكم. بأَن لم تأْكل منه شيئًا.
أَمَّا إذا أَكلت منه فلا تأْكلوه؛ لأَنها أَمسكته لنفسها، بدليل أَنها أَكَلت منه. وذلك ناشيءٌ من أَنها لم يتم تعليمُهَا.
(وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ):
أَي: واذكروا اسم الله على هذه الجوارح التي علمتموها عند إِرسالها.
روى أَصحاب السنن من حديث عدي بن حاتم: أَن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا أَرسَلْتَ كلَابَكَ المعلَّمَةَ، وذكرتَ اسمَ اللهِ، فَكُلْ مما أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، إِلا أَن يأْكُلَ الكلْبُ فَلَا تَأْكُلْ، فِإني أَخافُ أَن يَكونَ إِنَّما أمْسَكَ على نَفْسِه".
ولأَجل هذا الحديث الذي شرح المراد من الآية، قال بعض الفقهاءِ: بحرمة الصيد الذي أَكل منه الجارح ولم يدركه الصائد حيا؛ لأَنه أَمسكه على نفسه.
وقال مالك والليث: يُؤْكَلُ وإِن أَكَلَ منه الكلبُ.
وقال أَبو حنيفة وأَصحابه: إِذا أَكل الكلبُ من الصيد فلا يُؤْكلُ منه، ويُؤْكلُ صيدُ البازي وإِن أَكل منه؛ لأَن تأْديب سباع الطير إِلى حد أَلا تأْكل منه متعذر، بخلاف الكلاب فإِنه غير متعذر.